
خرجت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ببلاغٍ ناري تهاجم فيه البرلماني خالد الشناق، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، على خلفية مداخلته الأخيرة بمجلس النواب، والتي وجّه فيها انتقادات صريحة للحكومة وبرنامجها في التشغيل، رغم أن حزبه يُعد جزءًا من الأغلبية الحكومية.
الشناق، الذي اختار أن يصطف إلى جانب المصلحة العامة بدل الانضباط الحزبي الأعمى، كان قد اتهم الحكومة ووزير الإدماج والتشغيل يونس السكوري بالفشل في تحقيق الوعود المتعلقة بتوفير مليون منصب شغل، قائلاً إن “الواقع يكذب الوثائق والبرامج الحكومية”، في إحالة واضحة إلى الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع الاجتماعي.
العدالة والتنمية… وصاية متأخرة على الانسجام الحكومي
مفارقة الموقف أن حزب العدالة والتنمية، الذي قضى سنوات في السلطة وسط انقسامات وصراعات داخلية، يقدّم نفسه اليوم كـ”حارس للانسجام الحكومي” وناصحٍ لمكونات الأغلبية الحالية حول ما يسميه بـ”الخطاب غير المسؤول”.
بلاغ الحزب وصف انتقادات البرلماني الشناق بأنها “نبرة معارضة غير طبيعية داخل الأغلبية” واعتبرها “تنصلاً من المسؤولية الأخلاقية والسياسية”، متناسياً أن هذا النوع من الخطاب هو جوهر الممارسة الديمقراطية ومظهر من مظاهر الرقابة البرلمانية، حتى داخل الأغلبية نفسها.
فالبرلماني لا يُنتخب ليُصفّق، بل ليُحاسب، سواء كان من موقع المعارضة أو الأغلبية.
حين تُربك الصراحة أصحاب الشعارات
موقف الشناق لم يكن شذوذاً عن الدستور أو انحرافاً عن الانضباط، بل عودة إلى جوهر المهمة البرلمانية: الدفاع عن المواطنين ومساءلة الحكومة باسمهم، لا باسم التحالفات الظرفية.
فإذا كان الدستور يربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن النائب الذي يمارس المحاسبة من داخل الأغلبية لا يستحق التوبيخ، بل الاحترام.
لكن يبدو أن بعض الأحزاب، وعلى رأسها العدالة والتنمية، تخشى الأصوات الحرة أكثر من معارضيها، لأنها تذكّرها بمرآة ماضيها حين كانت تتحدث باسم الشارع، قبل أن تُغرِقها كراسي الحكم في خطاب التبرير.
من خطاب المظلومية إلى منطق الوصاية
اللافت أن الحزب الذي بنى شعبيته لعقدين على الانتقاد الحاد للسلطة التنفيذية والتنديد بضعف السياسات الحكومية، أصبح اليوم ينتقد من يمارس الدور ذاته الذي كان يمارسه بالأمس.
تحوّل العدالة والتنمية من حزب معارض يرفع صوت المواطن، إلى حزب يُخيفه أن يعلو هذا الصوت حتى لو خرج من داخل الأغلبية، هو تحوّل كاشف لأزمة العمق في المشهد الحزبي: حين يضيق السياسي بالنقد، يُعلن عجزه عن التطور.
الشناق مثّل الشعب لا الحزب
ما فعله البرلماني خالد الشناق هو ببساطة ما ينتظره المواطن من ممثله: أن يتحدث بصدق، لا بحساب.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه بعض السياسيين بتوزيع صكوك الولاء، اختار الشناق أن يمنح ولاءه للناس وللحقيقة، حتى لو كلّفه ذلك هجومًا سياسياً من حزبٍ اعتاد أن يهاجم من كان مثله بالأمس.
الواقع أن المصلحة العامة لا تعرف الانتماءات، ومن واجب البرلمان أن يكون فضاءً للنقد الصادق لا للمجاملة الحزبية.
وإذا كان خالد الشناق قد أغضب من يرفضون الحقيقة، فذلك لأن صوته خرج من قلب الأغلبية ليقول ما يعجز عنه كثير من المعارضين.
البيجيدي يدخل على خط هجوم الاستقلال على السكوري وينتقد قانون المالية قبل دراسته