جمع الأموال باسم الفنانين.. إحسان يتحول إلى فوضى خارج القانون.

تحوّلت بعض مظاهر “الإحسان” في المغرب إلى فوضى رقمية عارمة تُسيء إلى روح التضامن التي تميّز المجتمع المغربي. فبين ليلة وضحاها، صار جمع الأموال لفائدة بعض الفنانين أو الأشخاص “المحتاجين” تجارة موسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تُستغل فيها العواطف وتُخترق فيها القوانين، تحت لافتة “دعم الفنان” و“الإنسانية”.
في الواقع، ما يجري ليس تضامنًا، بل خرقٌ صريح للقانون رقم 18.18 المنظم لجمع التبرعات من العموم، والذي يمنع أي نداء أو عملية جمع دون ترخيص مسبق من السلطات المختصة. ورغم وضوح النص القانوني، يتجرأ البعض على نشر أرقام حسابات بنكية، وجمع مبالغ ضخمة دون أي تتبع أو مراقبة لمصير تلك الأموال، في ممارسات أقرب إلى “التسول الرقمي” منها إلى العمل الإنساني.
القانون واضح وصارم: لا تبرعات دون ترخيص، لا جمع أموال دون حساب بنكي مخصص وتقارير مالية دقيقة، والعقوبات تصل إلى 100 ألف درهم وسجنٍ في بعض الحالات. ومع ذلك، تُخترق هذه القواعد يوميًا، في غياب الردع وتهاون في التطبيق، ما يجعل الفوضى تستشري تحت غطاء “النية الحسنة”.
إن أخطر ما في هذه الظاهرة هو استغلال معاناة الفنانين لترويج “البوز” وجني الأرباح والظهور بمظهر المنقذ. ملايين الدراهم تُجمع باسم الإحسان، لتُصرف أحيانًا في أغراض مجهولة أو شخصية، بينما يبقى المستفيد الحقيقي مجهولًا، والمحتاج الحقيقي ضحية.
لقد آن الأوان لوقف هذا العبث. على السلطات أن تتحرك لتجفيف منابع الفوضى الرقمية، وعلى الفنانين أنفسهم أن يرفضوا أي حملة لا تراعي المساطر القانونية، لأن قبولها يُسقط عنهم هيبتهم ويُدخلهم في دوامة الشك والتساؤلات.
الإحسان لا يعني الفوضى، والنية الحسنة لا تُعفي من المحاسبة. من يريد أن يُحسن، فليُحسن بالقانون. أما من يتستر خلف شعارات التضامن ليجمع الأموال بلا رقيب، فهو لا يخدم الفنان ولا الإنسانية، بل يُسيء إليهما معًا.
لقد حان الوقت لإعادة الاعتبار للإحسان الحقيقي، المنظم والمسؤول، حتى لا يتحول العمل الخيري في المغرب إلى سوقٍ مفتوح للارتزاق بالعواطف، والعبث بالقانون.
أكادير: إبراهيم فاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى