بعد أحداث الشغب الأخيرة.. البرلماني الشناق يعيد مطلب إحداث مفوضية للشرطة بالقليعة إلى الواجهة

في ظل التوتر الأمني الذي تعيشه مدينة القليعة، ومع توالي الأحداث المقلقة التي مست سلامة المواطنين وممتلكاتهم، عاد إلى الواجهة مجدداً مطلب إحداث مفوضية للشرطة كحل عاجل لمعالجة الوضع الأمني المتدهور بالمدينة.
فقد وجّه البرلماني خالد الشناق عن دائرة إنزكان آيت ملول، مراسلة رسمية إلى وزير الداخلية يدعو فيها إلى التسريع بإحداث مفوضية للشرطة بمدينة القليعة، مؤكداً أن هذا المشروع لم يعد مطلباً فئوياً أو سياسياً، بل ضرورة أمنية وإنسانية لحماية أكثر من 107 آلاف نسمة يعيشون في دائرة أمنية محدودة لا تتوفر إلا على مركز وحيد للدرك الملكي.

واقع ديموغرافي وضغط أمني متزايد

تعيش القليعة تحولاً عمرانياً وديموغرافياً كبيراً، إذ ارتفع عدد سكانها من 83 ألف نسمة سنة 2014 إلى أكثر من 107 آلاف نسمة في 2024، وهو ما يجعلها من بين أكثر المناطق كثافة في إقليم إنزكان آيت ملول. هذه الزيادة السريعة في عدد السكان، إلى جانب التوسع العمراني العشوائي وتنوع الوافدين، ساهمت في بروز ظواهر اجتماعية وأمنية متنامية، وسط محدودية الإمكانيات المتوفرة لدى جهاز الدرك الملكي الذي يتحمل عبئاً يفوق قدرته.

ويؤكد فاعلون محليون أن الاعتماد على مركز وحيد للدرك لم يعد كافياً لتأمين مدينة بهذا الحجم، إذ يُسجَّل تأخر في التدخلات، وضعف في التغطية الأمنية، خصوصاً في الأحياء الهامشية والمناطق الغابوية التي أصبحت مأوىً لبعض الجانحين.

أحداث الشغب الأخيرة… ناقوس خطر

وقد بلغت هذه التحديات ذروتها خلال الهجوم الذي استهدف مركز الدرك الملكي بالقليعة مؤخراً، وهو حدث وصفه مراقبون بأنه “جرس إنذار” يكشف هشاشة الوضع الأمني بالمنطقة. فالهجوم لم يكن مجرد حادث معزول، بل تعبيراً عن احتقان اجتماعي وأمني يحتاج إلى معالجة مؤسساتية عاجلة.

على إثر هذه الأحداث، تجددت مطالب الساكنة والمجتمع المدني بضرورة إنشاء مفوضية للشرطة، لتخفيف الضغط عن الدرك الملكي وضمان حضور أمني فعّال ومستمر داخل المدينة.

الشناق يضغط مجدداً… ورد الداخلية مشروط

البرلماني خالد الشناق، في مراسلته الموجهة إلى وزير الداخلية، ذكّر بمراسلات سابقة تقدم بها في أواخر سنة 2023 حول الموضوع نفسه، والتي ردت عليها الوزارة بشكل إيجابي مبدئياً، مشيرة إلى أن المشروع مبرمج للتنفيذ “بمجرد توفر الموارد البشرية واللوجستيكية اللازمة”.

لكن هذا الالتزام بقي حبراً على ورق بسبب ضعف التفاعل المحلي مع متطلبات إنجازه. الكرة الآن في مرمى المجلس الجماعي للقليعة، والمجلس الإقليمي لإنزكان آيت ملول، ومجلس جهة سوس ماسة، من أجل توفير الدعم اللوجستيكي والمقر المؤقت الذي سيُمكّن من انطلاق العمل الأمني إلى حين بناء المفوضية الدائمة.

مفوضية الشرطة… ضرورة لا ترف

ويرى البرلماني الشناق، ومعه عدد من المتابعين للشأن المحلي، أن إحداث مفوضية للشرطة ليس مطلباً ترفيهياً أو سياسياً، بل ضرورة ملحّة تمسّ حق المواطنين في الأمن والطمأنينة.
فوجود جهاز أمني منظم سيتيح:

تعزيز الانتشار الأمني داخل الأحياء الحساسة والنقط السوداء.

التدخل السريع في حالات الطوارئ.

تحسين آليات التحقيق والمتابعة.

تخفيف الضغط عن مصالح الدرك التي تُعنى بالمناطق القروية المحيطة.

ويضيف الشناق أن سياسة “الأمن من منظور القرب” التي تتبناها المديرية العامة للأمن الوطني يجب أن تجد طريقها إلى القليعة، حتى لا تبقى المدينة الاستثناء الوحيد في إقليم إنزكان آيت ملول بدون مفوضية للشرطة.

إنّ خطوة الشناق ليست فقط تدخلاً برلمانياً تقنياً، بل تعبّر عن تحوّل أعمق في الوعي السياسي لدى ممثلي المنطقة، الذين باتوا يدركون أن الأمن لم يعد قضية قطاعية تخص وزارة الداخلية وحدها، بل ركيزة أساسية للتنمية المحلية والاستقرار الاجتماعي.

ويقرأ متتبعون هذه المراسلة كجزء من ضغط برلماني متصاعد على الحكومة ووزارة الداخلية، خاصة بعد أحداث الشغب الأخيرة، التي كشفت هشاشة البنية الأمنية في عدد من المدن الصاعدة عمرانياً. وهي رسالة واضحة إلى صناع القرار مفادها أن “الوقاية الأمنية تبدأ من الاستثمار في البنيات الأمنية القريبة من المواطن، لا من التدخل بعد الانفجار”.

وفي المقابل، يحمّل عدد من الفاعلين المحليين جزءاً من المسؤولية إلى المنتخبين والهيئات الترابية، الذين لم يتحركوا بما يكفي لتوفير الدعم اللوجستيكي اللازم لتنزيل المشروع، رغم الوعود المتكررة. فملف القليعة اليوم، كما يراه مراقبون، أصبح اختباراً لمدى صدق الشراكة بين السلطات المركزية والجماعات الترابية في ترجمة مفهوم “الأمن في خدمة التنمية”.

وإذا لم تُتخذ إجراءات عملية في الأمد القريب، فإن القليعة قد تتحول من مدينة واعدة إلى نقطة توتر دائمة في خارطة جهة سوس ماسة، وهو ما يجعل من مطلب مفوضية الشرطة أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى