أيت ملول.. عامل نظافة يجر الجماعة إلى القضاء بعد حادثة شغل تكشف هشاشة الحماية الاجتماعية

مع بزوغ أولى خيوط الفجر، يخرج “ع”، عامل نظافة في الخمسينيات من عمره، إلى الشارع حاملاً مجرفته المتآكلة. يرافقه زملاء أنهكتهم السنين، يواجهون يوميًا أطنان النفايات وشاحنات مهترئة لا ترحم، في ظروف تُشبه “ساحة معركة” أكثر منها بيئة عمل. هؤلاء العمال، الذين يصفهم السكان بـ”الجنود المجهولين”، يعيشون واقعًا قاسيا ظل لسنوات حبيس التجاهل.

حادثة الشغل التي تعرض لها أحد زملائهم، والتي خلّفت له عجزًا دائمًا بنسبة 15%، لم تكن استثناءً بل جزءًا من سلسلة طويلة من الإصابات والحوادث الصامتة. لكن هذه المرة، كان للقضاء كلمته: حكم إداري حمل جماعة أيت ملول مسؤولية ما جرى، وألزمها بتعويض العامل بمبالغ مالية، في اعتراف صريح بأن الإهمال لم يعد مجرد تقصير، بل سياسة ممنهجة تُهدد الأرواح.

ورغم قساوة المبالغ التي قضت بها المحكمة – 2.541 درهمًا سنويًا عن العجز الدائم و1.556 درهمًا عن العجز المؤقت – إلا أن القيمة الرمزية للحكم أكبر بكثير. إنه بمثابة صوت العدالة الذي خرج ليقول إن حياة عمال النظافة لا يمكن أن تبقى رخيصة، ولا يجوز الاستمرار في التعامل معهم كـ”أدوات” تُستنزف ثم تُترك لمصيرها.

“ع” وزملاؤه يروون يوميًا تفاصيل معاناتهم: شاحنات متهالكة ، ساعات عمل مرهقة بلا تجهيزات وقاية، وأجور هزيلة بالكاد تكفي لسد رمق عائلاتهم. يقول أحدهم: “نحن نحافظ على نظافة المدينة، لكن من يحافظ على سلامتنا؟”

القضاء أجاب جزئيًا عن هذا السؤال، بإدانته للجماعة، لكن الحل الحقيقي يظل في إرادة سياسية تُعيد الاعتبار لهؤلاء العمال، وتوفر لهم الحد الأدنى من شروط الكرامة والسلامة المهنية. فالمسألة لا تتعلق فقط بالتعويض عن حادث وقع، بل بمنع حوادث أخرى قد تُزهق أرواحًا وتُثقل أسرًا بمآسي جديدة.

إن عمال النظافة بأيت ملول لم يعودوا مجرد مشهد مألوف في الشوارع، بل رمز لصراع يومي من أجل البقاء. وحكم المحكمة الأخير رسالة قوية مفادها أن زمن الصمت انتهى، وأن حياة هؤلاء “الجنود المجهولين” تستحق الاحترام والحماية، قبل أن تُترجم المآسي إلى ملفات قضائية وأحكام لا تُعيد الزمن إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى