تيرويسا، المجتمع الذاكرة والتاريخ عنوان ندوة نظمتها مؤسسة سعيد اشتوك.

في إطار أنشطتها الثقافية والفنية الرامية إلى صون التراث الأمازيغي والتعريف بروّاده، وتخليدا للذكرى السادسة والثلاثون عن رحيل الفنان المبدع والشاعر المرحوم الرايس سعيد اشتوك، احتضن المركز الثقافي سعيد اشتوك بمدينة بيوكرى مساء يوم السبت 06 شتنبر الجاري، فعاليات الدورة الاولى للجامعة الصيفية التي نظمتها مؤسسة سعيد أشتوك تحت عنوان ” تيرويسا، المجتمع الذاكرة والتاريخ” وذلك بمشاركة باحثين، فنانين، وفاعلين ثقافيين، يسعون من خلال مداخلاتهم إلى تسليط الضوء على الدور الريادي لفن تيرويسا باعتباره تراثًا غنائيا وشعريا يؤرخ لذاكرة المجتمع الأمازيغي ويعكس تحولات تاريخه، كما تهدف هذه الندوة إلى إبراز مكانة الروايس كحماة للهوية الثقافية من خلال قراءة البعد التاريخي والاجتماعي في أشعار وأغاني الروايس، الى مناقشة دور الفن الأمازيغي في صون الذاكرة ونقل القيم بين الأجيال.

إن تنظيم هذه الندوة يعكس المكانة التي تحظى بها مؤسسة الرايس سعيد اشتوك كجسر بين الأجيال، ومختبر لتثمين التراث اللامادي، وفضاء للنقاش الأكاديمي والفني الذي يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، كما تأتي هذه المبادرة لتؤكد التزام مؤسسة الرايس سعيد اشتوك بالاحتفاء بالتراث اللامادي الأمازيغي، وخلق فضاء للحوار والنقاش العلمي والفني، بما يعزز استمرارية الرسالة الثقافية التي حملها رواد هذا الفن العريق.

وفي مداخلته الافتتاحية، في موضوع الفنون والهوية، قام الدكتور الحسين بويعقوبي، الباحث بكلية اللغات والفنون والعلوم الانسانية، جامعة ابن زهر، بالتأصيل النظري لكل من مفهوم “الفن” ومفهوم “الهوية”، وطبيعة العلاقة بينهما من خلال تجارب مجموعة من الشعوب، حيث اتضح أن الفن باعتباره ممارسة ثقافية وإبداع يتغير تحقيق الجمال والمتعة لدى المتلقي، هو أيضا تعبير عن هوية المجتمع المنتج له، وحامل لثقافته وخصوصياته. وهو المدخل الذي سمح للدكتور المحاضر بتخصيص جزء كبير من مداخلته للفنون الأمازيغية، من أحواش بتنويعاته، إلى الروايس، إلى المجموعات الغنائية العصرية، ثم ظاهرة الفيزيون الشبابية اليوم. وهي كلها فنون لم تنفصل عن هوية مجتمعها لكنها في نفس الوقت عرفت تحولات وتطورات حسب إكراهات كل سياق مما سمح لها بالبقاء إلى اليوم. لكن استمرارها مستقبلا رهين بموقعها في السياسات الثقافية للبلد، إن على المستوى الوطني، أو على المستوى الجهوي. وقد يكون تأسيس فرق جهوية أو وطنية لهذه الفنون، من خلال مأسسة العناية بالفنون، وتوفير الشروط المادية والمعنوية لتطويرها ونقلها بين الأجيال.

وبعد الجلسة الافتتاحية التي قدم فيها الدكتور الحسين بويعقوبي محاضرة بعنوان ” الفنون والهوية “، والتي أدارها الدكتور خالد العيوض، فقد قدّم مجموعة من الباحثين مداخلاتهم خلال الجلسة العام مساء نفس اليوم، وتناول الأستاذ محمد كديرة “مقاربات في السيميائيات الثقافية لتيرويسا”، فيما قدم الأستاذ محمد تايشينت موضوع “مقولت الشعر والشاعر في تجربة الروايس” ، وتحدث الأستاذ جامع وارزمان عن “دور الروايس في بناء المخيال الجمعي في سوس، “، أما الإعلامي إبراهيم باوش فقد تناول موضوع حول “مرحلة التسجيل، تيرويسا وبدايات الانتقال” ، بعدها تحدث الاستاذ خالد أوبلا في موضوع “من فن أجماك إلى تيرويسا”.

واختتمت فعاليات الدورة الأولى للجامعة الصيفية بوصلة فنية من فن تيرويسا أداها مجموعة من الفنانين الكبار منهم من عاشر المرحوم الرايس سعيد اشتوك، وتعتبر هذه الوصلة تطبيق عملي لما جاء في الشق النظري.

و للإشارة فالمرحوم الرايس سعيد اشتوك ينتمي إلى جيل الروايس الكبار الذين حملوا مشعل الفن الأمازيغي ويعتبر من الرواد، كما يُعد من أبرز الفنانين الذين بصموا تاريخ الأغنية الأمازيغية السوسية، فهو ليس مجرد مغنٍ أو شاعر، بل حامل لرسالة فنية وثقافية حافظت على جزء كبير من التراث اللامادي للمغرب.

ونشأ المرحوم في منطقة اشتوكن، وسط فضاء طبيعي واجتماعي غني بالإيقاعات والأهازيج، الأمر الذي جعله يرتبط منذ صغره بالكلمة الموزونة واللحن التقليدي، فمنذ شبابه، أظهر المرحوم سعيد اشتوك شغفاً خاصاً بالموسيقى والشعر الأمازيغي، حيث تعلم العزف على آلة الرباب التي تعتبر أداة أساسية في فن الروايس، ومع مرور الوقت، تدرج في التجربة الفنية إلى أن أصبح رايساً أي قائداً لفرقته، يقود الغناء والعزف وينسق الأداء الجماعي.

هذا وتعتبر مؤسسة سعيد أشتوك التي تأسست يوم 26 غشت 2023 امتدادا للزخم الذي راكمته فعاليات الحركة الجمعوية الأمازيغية منذ الستينات، والتي وضعت ضمن أهدافها ترقية وجمع وتدوين وتحصين وتثمين التراث بشقيه المادي واللامادي، وخصوصا ما له علاقة بفن تيرويسا وبشخصية الفنان سعيد اشتوك الذي تحمل المؤسسة اسمه، وكذلك فسح المجال لبزوغ مثقفين ونخبة عالمة ذات وعي مغاير للتراث الفني الأمازيغي تتناول فن تيرويسا بنظرة أكاديمية.


أكادير : ابراهيم فاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى