من فضيحة دراجات نارية إلى دراما سياسية.. هكذا تُصنع الأزمات في الإعلام

يشهد المشهد السياسي والإعلامي المغربي منذ أيام حملة إلكترونية مثيرة تستهدف شخصية رسمية بحجم وزير النقل واللوجيستيك، عبد الصمد قيوح. حملة لم تتورع عن استخدام أدوات “فضائح السوشيال ميديا” لغرض سياسي بحت، فحوّلت مجرد حادث بروتوكولي عادي إلى “فضيحة” إعلامية تثير التساؤلات حول أخلاقيات الإعلام، ومرونة التحالفات الحكومية، وصمت الأحزاب عن الدفاع عن رموزها.

لكن خلف ضجيج هذه الحملة، لا يرى المراقبون سوى قناعًا يخفي صراعًا داخليًا متوترًا داخل الأغلبية الحكومية. حيث تُوّجه أصابع الاتهام لرئيس الحكومة عزيز أخنوش بالاعتماد على أذرع إعلامية موالية له، بعضها لا يتردد في توظيف الإثارة والافتراء، للضغط على شركائه المختلفين معه. فما بدا أنه “فضيحة” فردية للوزير، هو في الحقيقة معركة كبرى بين مكونات التحالف، تستخدم فيها الحرب الإعلامية كأداة ضغط وتفاوض.

أكثر ما أثار الاستغراب في هذه القضية ليس الهجوم نفسه، بل الصمت المريب لحزب الاستقلال، الذي ينتمي إليه قيوح. فبينما كان من المتوقع أن يخرج الحزب عن صمته للدفاع عن أحد أبرز وزرائه، فضل التواري عن الأنظار، تاركًا الوزير وحيدًا في مرمى نيران حملة منظمة.

هذا الصمت طرح تساؤلات جدية: هل هو انشغال داخلي بأولويات أخرى؟ أم أنه إشارة إلى توتر عميق في صفوف الأغلبية دفع الحزب إلى تجنب المواجهة المباشرة؟ أم أن الصمت هو ثمن “التعايش الحذر” مع شريك قوي يستعمل أدوات ضغط إعلامية؟ أيًا كانت الإجابة، فصمت الحزب عن الدفاع عن أحد رموزه يُضعف من مكانته ويُفقد المواطن ثقته في قدرته على مواجهة التحديات والدفاع عن رجالاته.

عندما ينتصر “النقرات” على الحقيقة
انحرف النقاش العمومي، الذي كان من المفروض أن يتمحور حول ملفات حقيقية مثل أزمة “صفقات الدراجات النارية”، التي تتضمن قضايا جوهرية كـ”من استفاد منها وكيفية تدبيرها وتأثيرها على السلامة الطرقية”، لينحصر في “فضيحة” مصطنعة. هذه الفضيحة التي صنعتها عناوين صادمة وحملات افتراضية، تُظهر أن الإثارة أصبحت أهم من المصداقية، وأن النقرات أصبحت أهم من النقاش الجاد حول القضايا التي تهم المواطن.

عندما تنتصر الإثارة على النقاش الجاد، يخسر الجميع. يخسر الإعلام مصداقيته، والسياسة رصيدها من الثقة، والمواطن حقه في معرفة الحقائق. ما يجري اليوم يؤكد الحاجة الملحة إلى نقاش وطني صريح حول أخلاقيات الإعلام وحدود النقد السياسي، وأهمية أن تتحمل الأحزاب مسؤوليتها في الدفاع عن رجالاتها واختياراتها، بدل الانجرار إلى حروب الوكالة التي تُختزل في سباق محموم على الإثارة والنقرات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى