بيان سيدي بيبي: بين غموض التوضيحات وثقل المسؤولية القانونية

في خضم السجالات السياسية التي تتأجج على منصات التواصل الاجتماعي، أصدر رئيس المجلس الجماعي لسيدي بيبي “بيانًا إلى الرأي العام”، في محاولة لرد الاعتبار لمؤسسة الجماعة وتفنيد ما اعتبره “ادعاءات كاذبة”. غير أن ما كان يُفترض أن يوضح الحقائق، تحول إلى مصدر جديد للأسئلة وفتح الباب على مصراعيه أمام شبهات أكبر تمس شفافية التدبير وحماية المال العام.
البيان الموجه إلى الرأي العام افتقر إلى التوقيع الرسمي لرئيس المجلس، وهو ما يُضعف من مصداقيته ويجعله أقرب إلى مسودة شخصية. التوقيع ليس مجرد شكلية إدارية، بل هو إقرار صريح بالمسؤولية وتحمل للتبعات القانونية. هذا الغياب، إلى جانب التناقض الصارخ بين مضمون ما أثير حول مبلغ 160 مليون سنتيم، وبين رد الرئيس الذي حوّل النقاش إلى قضية إعفاء شركة من رسم الأراضي الحضرية غير المبنية، يثير الشكوك حول دوافع البيان. هذا الخلط يوحي إما بوجود سوء فهم عميق، أو بمحاولة متعمدة لصرف الأنظار عن جوهر الموضوع.
البيان يطرح أسئلة أكثر حساسية: هل اللجنة التي أوفدتها السلطات الإقليمية للتحقيق سلمت خلاصات رسمية لرئيس المجلس؟ وهل يحق له التحدث باسمها قبل صدور تقريرها النهائي؟ المعطيات المتداولة تشير إلى أن الفارق الزمني بين الأمر بالاستخلاص ورخصة التسوية التي مُنحت للشركة المعنية لا يتجاوز يومين. هذا التضارب الزمني استغلته الشركة مباشرة، حيث راسلت الجماعة بالقول: “لا موجب للأداء”، مستندة إلى رخصة التسوية وشهادة المهندس. هذا الوضع يضع الجماعة في موقف محرج، وكأنها هي من أغلقت الملف بيدها.
البيان اكتفى بعرض أرقام عامة عن المداخيل، وتجنب الإجابة الدقيقة عن تفاصيل القضية: كم كان المبلغ المستحق على الشركة؟ ومتى مُنحت رخصة التسوية؟ وكم دفعت بالفعل لخزينة الجماعة؟ تجاهل هذه التفاصيل ليس مجرد هفوة، بل هو مؤشر على رغبة في التملص من الإفصاح الكامل، مما يفتح الباب أمام احتمالات التواطؤ أو التقصير الجسيم.
الوقائع المطروحة تلامس بشكل مباشر مسؤولية الرئيس القانونية. فمحكمة النقض، في قرار لها عدد 2031 بتاريخ 27/12/2021 ملف جنائي عدد 3142 /6/1/2023، اعتبرت أن تقاعس رئيس المجلس الجماعي في استخلاص الواجبات المالية المستحقة يُشكل جنحة إهمال خطير. هذا الاجتهاد القضائي يلقي بظلال ثقيلة على القضية الحالية، فإذا ثبت أن مبلغ 160 مليون سنتيم لم يُستخلص بسبب تهاون أو قرارات غير مبررة، فإن الأمر قد يدخل في صميم المسؤولية الجنحية لرئيس المجلس.
إن بيان سيدي بيبي لم ينجح في تبديد الشكوك، بل زادها عمقًا. فبدلاً من أن يكون جسرًا للثقة بين المنتخبين والمواطنين، صار جدارًا من التناقضات والغموض. الرهان اليوم ليس على البيانات الإنشائية، بل على فتح تحقيق قضائي وإداري شفاف يحدد المسؤوليات بدقة: هل هناك إهمال جسيم أدى إلى ضياع 160 مليون سنتيم من المال العام؟ أم أن الأمر مجرد سوء تواصل؟ يبقى السؤال قائمًا: هل سيتحول هذا الملف إلى اختبار حقيقي لمدى التزام السلطات بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى