الأوتوقراطية تحت المجهر: تحديات وسبل المواجهة في المؤسسات العمومية

مراسلة : سيداتي بيدا

لطالما كانت قضية الإدارة الأوتوقراطية محور نقاش هام في المجتمع المغربي، حيث يتجسد التحدي في تحقيق التوازن بين المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين وبين احترام حقوق الموظفين والمواطنين على حد سواء. ومع تقدمنا في عام 2024، أصبحت هذه الظاهرة تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه مؤسساتنا العامة والخاصة.

الأوتوقراطية، وهي نمط قيادة يتسم بالتركيز المفرط للسلطة في أيدي فرد أو مجموعة صغيرة، تتجاوز التعقيدات المعروفة للبيروقراطية، حيث تميل إلى تهميش الكفاءات الفردية وإقصاء المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات. وقد تناول جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، هذا الموضوع في عدة خطب، كان أبرزها في عيد العرش لعام 2023، حين شدد على ضرورة القضاء على جميع أشكال البيروقراطية التي تعرقل مسار التنمية وتعطل تقديم الخدمات العامة.

ترجمت هذه الرؤية الملكية إلى العديد من الإصلاحات القانونية التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية والمساءلة داخل الإدارات، من بينها القانون رقم 31.13 الذي يضمن الحق في الحصول على المعلومات، والقانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى القانون رقم 83.13 الخاص بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. ومع ذلك، تظل التحديات كبيرة في مواجهة القيادات الأوتوقراطية التي تعيق تنفيذ هذه القوانين.

تتجلى إحدى أبرز الأمثلة على هذه الممارسات الأوتوقراطية في المؤسسات العمومية الاقتصادية بمنطقة “الكنتور”، حيث تمارس بعض القيادات سلطتها بشكل مركزي ومغلق، وتتخذ قراراتها دون إشراك العاملين أو اعتماد الإجراءات القانونية التي تكفل المشاركة والشفافية. هذا النهج يؤدي إلى تراجع الابتكار والإنتاجية داخل المؤسسات، حيث يشعر الموظفون بالتهميش وفقدان الثقة في الإدارة.

من بين الآثار السلبية للقيادة الأوتوقراطية تراجع الابتكار والإنتاجية داخل المؤسسات، حيث يشعر الموظفون بالإقصاء وفقدان الثقة في الإدارة. كما أن غياب الحوار والتواصل مع المسؤولين الأوتوقراطيين يعزز مناخ الجمود والتوتر، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات فردية تعسفية تفتقر إلى الشفافية.

المواجهة الحقيقية لهذه الظاهرة تتطلب وضع إطار قانوني فعال يضمن التنفيذ الصارم للقوانين، مع إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرارات وتعزيز آليات الرقابة والمساءلة. كما أن مكافحة الفساد تمثل ركيزة أساسية في تقويض سلوكيات الأوتوقراطية وضمان بيئة إدارية صحية تقوم على الشفافية والتعاون.

إجمالاً، نحن بحاجة إلى رؤية جماعية واستراتيجية طويلة الأمد لتعزيز ثقافة الإدارة الجيدة وتحقيق التنمية الشاملة، مما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا للمجتمع والاقتصاد الوطني.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى