
في ظل تفريخ المهرجانات بسوس و توالي الإنتقاء العشوائي للمدرجين في برامجها الفنية ، يُقصى ويهمش فنانون حقيقيون ظلوا لعقود واهبين حياتهم وزهرتها للفن،حيث كانوا ولا زالو يعتكفون على صناعة الجمال ويعزفون على أوتار التراث والهوية. ومن بين هؤلاء يبرز جلياً اسم الفقير مبارك، المعروف فنياً بـ “سي مبارك”، أحد أبرز رموز فن تيرويسا اليوم ، الذي ورغم إجتهاده المتواصل ورصيده الفني الفريد من نوعه لا يزال مغيبا عن البرمجة الفنية للمهرجانات والتظاهرات الثقافية ببلادنا التي تتسم بإجترار وتكرار ثلة من المحظوظين أو البعض ممن لا يفرض شروطه طمعا من أجل المشاركة فقط.
فمنذ أواسط الثمانينات، خاض سي مبارك مسارًا فنياً غنياً، تتلمذ خلاله على يد كبار الفنانين الأمازيغ خصوصا أهرام الروايس،ليراكم تجربة مهمة أهلته للنظم و الإبداع في جميع الأغراض الشعرية.
كما أن سي مبارك عازف ماهر على آلتي لوطار والرباب، وهو أيضًا شاعر وملحن، تغنى بأشعاره وألحانه العديد من الفنانين المعروفين، ما جعله مرجعًا فنياً ومعادلة صعبة في مجال تيرويسا.
هذا ويمتاز سي مبارك أيضًا بثقافته الواسعة ووعيه الفني،و محاور مقنع وهي عناصر نادرة في المشهد الفني اليوم.
واضب سي مبارك مؤخرًا على إصدار سينگلات غنائية بشكل متواصل ليقرر أن يصدر عملا فنيا رفيعا على شكل سهرة موسيقية مصوّرة (صوت وصورة)، لاقت نجاحًا لافتًا عبر المنصات الإلكترونية، وتفاعلًا كبيرًا من جمهور واسع تواق لفن تيرويسا الأصيل.
غير أن هذا النجاح، على غرار مجمل مسيرته المتفردة ، لم يفتح له أبواب المهرجانات كما كان يأمل. ففي الوقت الذي تتكرر فيه الأسماء ذاتها على منصات التظاهرات الثقافية، وتُمنح الفرص لمن لا يملكون من الإبداع إلا القليل، يبقى سي مبارك مهمّشًا، وكأن رسالته الفنية لم تصل المنظمين والمسؤولين والجمعيات الثقافية.
إن غياب سي مبارك ليس مجرد إقصاء لشخص، بل صورة مصغرة لمأزق ثقافي أوسع، حيث يتم تهميش الفنانين المبدعين لحساب اعتبارات تسويقية أو بحثا عن البوز أو علاقات ضيقة، بينما يبقى الجمهور المتضرر الأول من غياب التنوع والجودة.
جدير ذكره أن الفنان الأمازيغي سي مبارك لا يحتاج إلى شهادة من أحد، أو إعتراف فجمهوره يعرفه جيدًا، وأعماله تشهد له على تصدر مشهد تيرويسا. لكن الإنصاف الفني يقتضي أن تمنح له مكانته التي يستحقها، لا فقط تكريمًا لتاريخه، بل دعماً لمستقبل الفن الأمازيغي الذي لا يمكن أن يستقيم دون الإعتراف بالمبدعين الحقيقيين.