المجالس الجماعية بين الفساد والإصلاح

شهد المغرب في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في قرارات عزل رؤساء المجالس الترابية، وذلك نتيجة تورطهم في اختلالات إدارية ومالية. منذ الانتخابات الجماعية الأخيرة التي جرت قبل ثلاث سنوات، أصدرت المحكمة الإدارية عدة أحكام بعزل رؤساء جماعات محلية، بينما أحال وزير الداخلية ملفات أخرى على القضاء، لإجراء مساطر العزل أو إحالة القضايا إلى محاكم جرائم الأموال في حالات تورطهم في تبديد الأموال العامة.

جهود مكافحة الفساد ونتائج محدودة
رغم الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، إلا أن المغرب ما زال يعاني من تراجع في مؤشر إدراك الفساد، مما يعكس ضعف الإرادة السياسية والفعالية في تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية. وعلى الرغم من تبني قوانين وهيئات مؤسساتية لمكافحة الفساد، إلا أن هذه الجهود لم تحقق التقدم الملموس الذي كان مأمولاً.

أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع هو ضعف تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تم اعتمادها قبل سنوات. على الرغم من الجهود التي تم بذلها في صياغة هذه الاستراتيجية، إلا أن تنفيذها ظل بطيئاً بسبب قلة الانخراط الفعلي للمسؤولين، إضافة إلى غياب قوانين تجرم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، مما يجعل مظاهر الفساد مستمرة داخل النظام.

القضاء ومتابعة رؤساء المجالس
القانون الجديد يمنح القضاء وحده سلطة عزل رؤساء المجالس الترابية ومحاسبتهم، بينما يظل دور العمال والولاة في مراقبة القرارات المتخذة من قبل هذه المجالس وضمان تطبيقها. ومع تزايد المخالفات، أطلقت وزارة الداخلية حملة واسعة لملاحقة رؤساء المجالس الجماعية، وذلك بناءً على اتهامات تتعلق بتبديد المال العام وارتكاب مخالفات خطيرة في مجال التعمير.

هذه الحملة أسفرت عن إحالة العديد من ملفات المسؤولين إلى القضاء، حيث تم عزل عدد من الرؤساء المنتخبين بسبب الاختلالات الإدارية والمالية التي تم الكشف عنها. في هذا السياق، تم إحالة حوالي 60 عضواً من أعضاء المجالس الجماعية إلى القضاء، بما في ذلك 30 رئيساً، إضافة إلى 16 رئيساً سابقاً بتهم جنائية متعلقة بالفساد.

تقارير المجلس الأعلى للحسابات والرقابة على المال العام
التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات كشفت عن وجود تجاوزات مالية وإدارية في تسيير الجماعات الترابية، مما أدى إلى تحريك مساطر العزل. التحقيقات أظهرت ضعف الرقابة الداخلية وسوء تدبير الموارد المالية في هذه الجماعات، بما في ذلك إدارة الرسوم والمداخيل المحلية، إضافة إلى وجود اختلالات في تنفيذ المشاريع العمومية.

ورغم وجود رقابة قانونية على عمل المجالس الترابية، إلا أن تفعيل هذه الرقابة لا يزال يواجه تحديات، حيث تسعى السلطات إلى تعزيز صلاحيات العمال والولاة لضمان احترام الشرعية وتطبيق القانون. في هذا الإطار، يلعب المجلس الأعلى للحسابات دوراً مهماً في مراقبة الجماعات عبر افتحاصها بناءً على تقارير العمل والمشاريع التي تصادق عليها.

الحاجة إلى تغيير جذري في مكافحة الفساد
سلطت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة في المغرب الضوء على ضرورة الدخول في مرحلة جديدة لمكافحة الفساد، مشيرة إلى التحديات الكبيرة التي تعوق تقدم هذا المسار. ورغم السياسات المتبعة، لا تزال النتائج محدودة، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتنفيذ القوانين وتعزيز آليات المحاسبة.

التقرير الصادر عن الهيئة يشير إلى أن الفساد ما زال ظاهرة مزمنة في المغرب، وأن تحسين الوضع يتطلب جهوداً أكبر لتفعيل القوانين والرقابة على المسؤولين، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في إدارة المال العام.

دور الأحزاب السياسية والمواطنين
تتحمل الأحزاب السياسية والناخبون أيضاً جزءاً كبيراً من المسؤولية في مكافحة الفساد. الأحزاب مسؤولة عن اختيار مرشحين نزيهين وتزكية الكفاءات القادرة على تدبير الشأن العام بشفافية وحكمة. في المقابل، يجب على المواطنين تحمل مسؤولية اختياراتهم الانتخابية، حيث لا يمكن انتقاد المنتخبين الفاسدين في وقت يكونون هم من ساهموا في انتخابهم.

المسؤولية هنا متعددة الجوانب، وتشمل أيضاً مؤسسات التنشئة السياسية مثل المدارس والإعلام، اللذين يلعبان دوراً محورياً في نشر ثقافة النزاهة والشفافية. ويؤكد التقرير على أن تعزيز النزاهة لا يقتصر فقط على سن القوانين، بل يتطلب تغييراً في الوعي العام والممارسات السياسية.

رغم أن المغرب قد خطى خطوات مهمة نحو تعزيز آليات مكافحة الفساد، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. تزايد قرارات عزل رؤساء المجالس الترابية يشير إلى أن المشكلة تتطلب حلولاً أكثر جذرية، تشمل تحسين الرقابة على المال العام وتفعيل المحاسبة بشكل أكثر فعالية. كما أن التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ضروري لخلق بيئة سياسية نظيفة تعتمد على الشفافية والنزاهة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى