أيت ملول.. التعمير في عهد القيسوني بين فوضى التدبير وشبكات المصالح

تحولت جماعة أيت ملول، في عهد رئيسها القيسوني، إلى نموذج حي لفوضى التعمير وغياب الشفافية. لقد أصبح هذا القطاع الحيوي مرادفًا لشبهات المحسوبية وتضارب المصالح. ورغم الشعارات المرفوعة عن الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة، فإن الواقع يكشف انحرافًا خطيرًا يهدد حاضر ومستقبل المدينة.
أولى مظاهر هذه الأزمة تكمن في التمييز الصارخ في منح رخص البناء والتجزئات: تسهيلات بالجملة للمنعشين العقاريين الكبار، مقابل عراقيل متكررة أمام المواطنين البسطاء بدعوى “غياب الشروط” أو “استكمال الدراسة”. هذه الازدواجية خلقت شعورًا عميقًا بالغبن، ورسخت قناعة لدى الساكنة بأن القانون يُطبَّق بانتقائية.
تقرير رسمي يفضح الخروقات
لم تقتصر هذه الاختلالات على الانطباعات العامة، بل كشف عنها تقرير رسمي أعدته اللجنة الإقليمية التي زارت قسم التعمير بتاريخ 25 يوليوز 2024. وقد سجل التقرير معطيات صادمة، أبرزها:
اعتماد صور فوتوغرافية فقط في منح رخص السكن، ما سمح بتمرير بنايات غير مكتملة أو مخالفة للتصاميم.
تسليم شهادات انتهاء الأشغال لمشاريع لم تُستكمل بعد على أرض الواقع.
تأخر غير مبرر في دراسة ملفات كبرى، ما عرقل عمل المنصة الرقمية الرسمية.
استغلال محلات سكنية وتجارية دون الحصول على شهادة المطابقة، في خرق واضح للقانون.

شبهات تحوم حول مسؤول بقسم التعمير
وسط هذه الفوضى، تبرز شبهات حول دور بعض الأفراد. ففيما يستعد رئيس الجماعة لترقية تقني بقسم التعمير، ليصبح رئيسًا للمصلحة، تُشير مصادر متطابقة إلى أنه هو من يقوم بالتأشير على الملفات المثيرة للجدل، ويُمررها عبر المنصة الرقمية، بما في ذلك ملف تجزئة “المغرب العربي” الذي تحوّل إلى رمز للخرق العمراني.
المثير في هذا السياق هو أن التقني قام بتمرير ملف رخصة المطابقة الخاصة بالتجزئة خارج أوقات العمل الرسمية، وتحديدًا على الساعة 20:16 ليلًا، قبل أن يُوقع رئيس الجماعة نفسه على الرخصة في وقت متأخر أيضًا، ما يثير شبهة تلاعب وتدبير موازٍ بعيدًا عن القنوات الرسمية.


شبكة مصالح تتغوّل
يربط متتبعون للشأن المحلي هذه الاختلالات بوجود شبكة مصالح تجمع منعشين عقاريين وأطرافًا نافذة داخل المجلس، وهو ما يجعل من قسم التعمير أداة لتمرير ملفات حساسة في غياب تام للشفافية. النتيجة: مشاريع عمرانية تُشوه النسيج الحضري وتُفوت على الساكنة مرافق عمومية أساسية.
نداء عاجل للتدخل والمحاسبة
لقد تجاوز ملف التعمير في أيت ملول مرحلة الأخطاء التقنية ليكشف عن ممارسات ممنهجة تستغل ثغرات القانون لتحقيق مكاسب خاصة. والرأي العام المحلي يطالب اليوم بوضوح: إيفاد لجنة تفتيش مركزية خاصة إلى قسم التعمير بجماعة أيت ملول.
المطلوب ليس فقط التدقيق في جميع الملفات المثيرة للجدل، بل تحديد المسؤوليات، ووضع حد لأي تلاعب أو استغلال. فالمحاسبة وحدها كفيلة بإعادة الثقة للمواطنين، وصون ما تبقى من صورة هذه المدينة التي تُركت رهينة لفوضى التعمير وتغوّل المصالح الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى