برلماني في مرمى “النيران الصديقة”: خالد الشناق.. صوت القواعد الشعبية أم معارضة داخلية؟

في خضم المشهد السياسي المغربي المتعدد الأوجه، تبرز بين الحين والآخر شخصيات سياسية تثير الجدل بأدائها المتميز والمغاير. من بين هؤلاء، يبرز النائب البرلماني خالد الشناق، عن دائرة إنزكان أيت ملول، كصوت لا يتردد في التعبير عن مواقفه بجرأة، حتى وإن كانت تتعارض مع الخط العام للحكومة التي ينتمي إليها حزبه. يمثل الشناق حالة فريدة، فهو يجمع بين الانتماء للأغلبية الحكومية، وممارسة دور رقابي ومعارض يكاد يكون أكثر حدة من المعارضة الرسمية. فهل هو صوت القواعد الشعبية الذي يترجم معاناتها إلى عمل برلماني ملموس، أم أنه مجرد “معارضة داخلية” تهدف إلى إعادة تموضع سياسي؟

من البادية إلى قبة البرلمان: هموم المواطنين في صلب الاهتمام
يُظهر الشناق اهتمامًا كبيرًا بقضايا المواطنين المباشرة، من أدوات الرقابة البرلمانية إلى التفاعل الميداني. فقد كان سباقًا في إثارة قضية فلاحي إقليم تارودانت، خاصة بمنطقة سبت الكردان، محذرًا وزير الفلاحة من خطر إفلاسهم نتيجة قطع المياه. لم تكن هذه القضية مجرد سؤال برلماني عابر، بل كانت صرخة لإنقاذ 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية ورفع التهميش عن الفلاحين الصغار والمتوسطين.

لم تتوقف تدخلاته عند الفلاحة، بل امتدت لتشمل قضايا اجتماعية أخرى، مثل معاناة العمال العرضيين بجهة سوس ماسة، الذين يطالبون بالحماية الاجتماعية والتوظيف الرسمي. كما كان صوتًا للمهمشين من الباعة المتجولين، الذين يواجهون صعوبات يومية في كسب قوتهم، داعيًا إلى مقاربة جديدة توازن بين تنظيم الفضاء العام وضمان الحق في العيش الكريم. هذه القضايا، التي تمس حياة فئات واسعة من المجتمع، تؤكد أن أجندة الشناق البرلمانية تتغذى بشكل مباشر من الواقع المعيشي لمواطنيه.

الرقابة والمحاسبة: سلاح الشناق في مواجهة الفساد والإهمال
لا يكتفي الشناق بطرح القضايا، بل يذهب أبعد من ذلك للمطالبة بالتحقيق والمحاسبة. في قضية وفاة طفلة بعد عملية جراحية بسيطة بمدينة أكادير، وجه سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة، مطالبا بفتح تحقيق شفاف، وهو ما أسفر بالفعل عن متابعة طبيب الإنعاش. هذا التحرك لم يكن مجرد رد فعل، بل كان تعبيرًا عن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي يؤمن به.

وعلى نفس المنوال، لم يتردد في مساءلة وزير التعليم العالي حول ما أسماه “شبهات استغلال السلطة لأغراض سياسية” داخل كلية العلوم القانونية والاقتصادية بأيت ملول. هذا التدخل الجريء يظهر إصراره على تحصين المؤسسات العمومية، وخاصة الجامعات، من أي تسييس أو اختراق حزبي، دفاعًا عن مبادئ الحياد والاستقلالية.

انتقاد “الأغلبية” ورؤية سياسية مغايرة
ما يميز الشناق بشكل لافت، هو موقفه المنتقد لأداء الحكومة، على الرغم من أن حزبه، حزب الاستقلال، جزء أساسي منها. فقد وجه انتقادات حادة للسياسات الحكومية المتعلقة بتزايد الهجرة غير الشرعية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية. وفي تدوينة مثيرة للجدل، ألقى باللوم على الحكومة في تفاقم هذه الأوضاع، مشيرًا إلى “اقتصاد الريع والاحتكار وتضارب المصالح”.

هذا الموقف الجريء يضعه في خانة “المعارضة الداخلية”، التي تعكس حالة من الاستياء المتزايد داخل الأغلبية نفسها. ويتعزز هذا الموقف بمساءلته لرئيس الحكومة حول تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في تنفيذ وعودها المتعلقة بتخليق الحياة العامة.

سياسة القرب: من اللقاءات التنظيمية إلى العمل القضائي
بعيدًا عن قبة البرلمان، يظهر الشناق كقيادي حزبي نشط، يشارك بفاعلية في اللقاءات التواصلية والتنظيمية لحزب الاستقلال. يتناول في هذه اللقاءات قضايا مثل أهمية العمل التطوعي ودوره في الديمقراطية التشاركية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية وتأثيرها على التماسك الاجتماعي.

كما أظهر استعداده للدفاع عن نفسه ومواقفه عبر المسار القضائي، حيث صدر حكم قضائي لصالحه ضد نائب رئيس المجلس الجماعي لآيت ملول بتهمة “الإيذاء المعنوي”. هذا الحكم ليس مجرد قضية شخصية، بل هو مؤشر على أن الشناق يواجه “نيرانًا صديقة” داخل دائرة نفوذه، وأنه مستعد لمواجهة خصومه سياسيًا وقانونيًا.

يجسد خالد الشناق نموذجًا للنائب البرلماني الذي لا يستكين للوضع القائم، بل يتخذ من عمله البرلماني أداة للتعبير عن هموم المواطنين، والدفاع عن مبادئ المحاسبة والشفافية. يجمع بين الانشغال بالقضايا المحلية لدائرته، والجرأة في انتقاد سياسات الحكومة، مما يجعله صوتًا مؤثرًا يستحق المتابعة. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الدينامية ستؤثر على مستقبله السياسي داخل حزبه، أم أنها ستعزز من مكانته كسياسي يمثل نبض الشارع.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى