بين غياب الملاعب وتسيّب الشباب.. تراست تئن تحت وطأة الفوضى

تحول حي تراست الهادئ بإنزكان، وتحديداً ساحة درب آيت صالح، إلى بؤرة فوضى عارمة، حيث استبدلت أصوات السكينة والراحة بضجيج وصراخ يومي يحول حياة السكان إلى كابوس لا ينتهي. فساحة الحي، التي كان من المفترض أن تكون متنفساً ومكاناً للتلاقي، أصبحت مرتعاً للعب العشوائي بكرة القدم، مصحوباً بصخب لا يطاق وتخريب متكرر للممتلكات الخاصة والعامة، ليغدو الاسترخاء في هذا الحي حلماً بعيد المنال.

يعكس قول أحد السكان بلهجة يائسة مدى تفاقم الوضع: “هاد الدرب راه خاصو كوميسارية بوحدو! راه الضسارة بزاف، ودوك الوليدات سايبين فالساحة!” لم يعد الأمر مجرد لعب بريء بالكرة، بل تجاوز ذلك ليطال ممتلكات السكان، حيث لم تسلم مرايا السيارات وأعمدة الإنارة من عبث العابثين. لقد بلغ السيل الزبى بالساكنة التي باتت تستيقظ على صراخ ليلي وتنتفض على وقع الكرات المتطايرة التي تقرع نوافذ منازلهم دون هوادة.

في محاولة للتعبير عن استيائهم المشروع، سلك السكان مسلك الاحتجاج القانوني، حيث قاموا بتوقيع عريضة جماعية أملاً في لفت انتباه المسؤولين وإيجاد حل لهذه المعضلة. لكن جهودهم باءت بالفشل، ليتردد صدى تساؤل أحدهم بمرارة: “واش حنا ساكنين فحي سكني ولا فملعب؟ الناس دارت العريضة ولكن ما كاين اللي هضر!”

الحقيقة المرة تكمن في أن مشكلة الساحة تتجاوز مجرد اللعب العشوائي. إنها تعكس غياباً تاماً لملاعب القرب والفضاءات الرياضية المهيأة في المنطقة. ويتساءل أحد الآباء بحرقة: “دوك الدراري فين غادي يلعبو؟ حنا راه ما عندنا لا ملعب لا ساحة مؤهلة، هادوك الصغار كيجيبو الكرة وكيطلقوها فالساحة، واش بغيناهم يبقاو فالديور؟” هذا السؤال يضعنا أمام مسؤولية توفير بدائل صحية وآمنة لهؤلاء الشباب لتفريغ طاقاتهم.

في ظل هذا الفراغ والفوضى، يرى البعض أن الحل يكمن في تدخل حازم من السلطات المعنية لفرض النظام. وتعبر إحدى الأمهات عن هذا الرأي بغضب قائلة: “راه هاد الوليدات سايبين، خاص القانون يتطبق على هادوك اللي طلقو الدراري فالساحة بلا حسيب ولا رقيب!”

يتفق الجميع على أن سمعة درب آيت صالح قد تدهورت بشكل ملحوظ بسبب هذه الممارسات غير المسؤولة. ويؤكد أحد السكان بأسى: “راه اللي كان ساكن تما كيهرب، وهاد الشي ماشي معقول! الساكنة ساكتين بزاف، والسمعة ديال الدرب ولات خايبة!”

بناءً على هذه المعطيات، يطالب سكان حي تراست بتدخل عاجل من السلطات المحلية لتوفير دوريات أمنية منتظمة تضمن احترام النظام العام وتمنع التجاوزات. كما يؤكدون على الضرورة الملحة لإنشاء ملاعب قرب مخصصة للشباب والأطفال، حتى يتمكنوا من ممارسة هوايتهم في فضاءات آمنة ومناسبة، بعيداً عن إزعاج السكان والتسبب في تخريب الممتلكات. بالإضافة إلى ذلك، يشدد السكان على أهمية توعية الأسر بمسؤولياتهم في تأطير أبنائهم وغرس قيم احترام الآخرين والممتلكات العامة والخاصة.

يبقى حي تراست بإنزكان رهينة لصراع مرير بين حق الأطفال والشباب في اللعب والتعبير عن طاقاتهم، وحق السكان في العيش بسلام وراحة في محيطهم السكني. وفي غياب مبادرات ملموسة من جماعة إنزكان لتوفير مرافق رياضية لائقة وفرض النظام العام، سيظل هذا الحي يعاني من فوضى اللعب العشوائي التي حولت ساحته إلى مصدر دائم للإزعاج والقلق. إن إيجاد حل يوازن بين هذه الحقوق المتعارضة هو مسؤولية ملحة تقع على عاتق الجهات المعنية لإنقاذ حي تراست من هذا الكابوس اليومي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى