الرأي24/ج التازي
في المغرب، يُعتبر الرجل الملزم الأول قانونيًا بالنفقة على أسرته، سواء خلال الزواج أو بعد الطلاق. لكن هذا الالتزام غالبًا ما يُواجه تحديات عملية عندما يعجز الزوج ماديًا عن الوفاء به، ما يفتح الباب لمناقشة أعمق حول أوجه القصور في القوانين القائمة وغياب تدخل الدولة في تحمل جزء من المسؤولية، كما يحدث في الدول الأوروبية.
حقوق المرأة ليست عند الرجال فقط
الاعتقاد السائد بأن حقوق المرأة تُنتزع من الرجل أو تعتمد عليه هو مفهوم مضلل يُسهم في تأجيج الصراع بين الجنسين. الحقوق مسؤولية الدولة أولاً وأخيرًا، وليست شأنًا فرديًا يُلقى على عاتق الرجل فقط. الرجل نفسه يعاني في بعض الحالات من منظومة تشريعية لا تراعِي توازنه النفسي والاجتماعي، خاصة عندما يُفرض عليه الالتزام بالنفقة تحت طائلة السجن، حتى في حالات العجز الحقيقي.
المنظومة الاجتماعية في المغرب كثيرًا ما تُضلل المرأة لتراها في مواجهة الرجل، بدلًا من أن تكون بجانبه كشريك في مواجهة التحديات. هذا الصراع المفتعل يُحول الطرفين إلى أدوات في خدمة نظام يوزع أعباءً ثقيلة على الأفراد، بينما يظل المسؤول الحقيقي عن تلبية احتياجات الأسرة هو الدولة.
النموذج المغربي: النفقة وعقوبة السجن
في النظام المغربي، إذا عجز الزوج عن دفع النفقة المُقرة بحكم قضائي، يتم اللجوء إلى السجن كإجراء عقابي. ورغم أن هذا الإجراء يُعد وسيلة لإجبار الأزواج على الامتثال، إلا أنه يثير العديد من الإشكالات:
إضرار الأسرة: سجن الزوج يقطع مصدر دخل الأسرة بدلًا من دعمه، ما يُفاقم معاناة المرأة والأبناء.
غياب حلول بديلة: لا يُوفر النظام القضائي حلولًا مرنة مثل إعادة التأهيل المالي أو خطط تقسيط تضمن استمرار النفقة.
النموذج الأوروبي: دعم الدولة بدل العقاب
على النقيض، تتدخل الدول الأوروبية لتخفيف العبء عن الزوج العاجز ماليًا. إذا لم يستطع الزوج الوفاء بنفقته، تُقدم الدولة دعمًا مباشرًا للأسرة عبر برامج رفاه اجتماعي، ثم تسعى لتحصيل النفقة من الزوج لاحقًا عبر خطط تقسيط أو عقوبات غير سجنية، مثل الخدمات المجتمعية.
هذا النظام يُسهم في حماية الأطفال والمرأة من آثار التوتر المالي، كما يُجنب الزوج الوقوع في دائرة العقاب التي قد تزيد من مشكلاته المادية والنفسية.
مدونة الأسرة: الإصلاح ضرورة ملحة
رغم أن مدونة الأسرة المغربية جاءت لضمان حقوق المرأة والطفل، إلا أن تطبيقها أحيانًا يُسهم في تعميق الأزمات بدلًا من حلها. يجب أن تُراجع القوانين لتُراعي:
العدالة بين الطرفين: ضمان أن النفقة لا تكون عبئًا فوق طاقة الرجل، وأن المرأة تحصل على حقها دون استغلال.
دور الدولة: إنشاء صناديق دعم أسري تُمول من الضرائب أو المساهمات العامة لتخفيف الضغط عن الأفراد.
التوعية المشتركة: نشر ثقافة تعتمد على الشراكة بين الزوجين بدلًا من استغلال الزواج كوسيلة لحل المشكلات المادية.
الحقوق مسؤولية مشتركة
حقوق المرأة ليست حربًا ضد الرجل، بل هي معركة ضد نظام اجتماعي واقتصادي لا يراعي التوازن بين الأفراد. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها، رجالًا ونساءً، وأن تضمن نظامًا اجتماعيًا يُحقق العدالة والتوازن.
الرجل ليس المهدي المنتظر ليحل مشكلات المرأة، والمرأة ليست عدوًا يجب أن يُصارعها الرجل. الحل يكمن في بناء شراكة متوازنة بين الجنسين، تُدعم بقوانين عادلة ونظام اجتماعي يضع الأسرة كأولوية.