خطاب الموقف الثابت والرسائل الحاسمة

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء يمثل تذكيرا قويا وملتزما بالثوابت الوطنية للمغرب، ويعكس في طياته العديد من الرسائل السياسية
والدبلوماسية والداخلية التي تسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية والسيادة الترابية. وحتى يتسنى لنا التشرف بتحليل سياسي للخطاب السامي فلا بد أن نتناوله والوقوف على مضامينه من خلال عدة محاور التالية

-مغربية الصحراء والسيادة الوطنية:
إستفتح جلالة الملك الخطاب السامي بإستعراض الحقائق التاريخية التي تثبت مغربية الصحراء، من خلال التطرق إلى مسيرة الشعب المغربي السلمية والشعبية التي إنطلق من جل المدن المغربية نحو طرفاية مدينة العبور ولعل هذا التذكير هو تأكيد على الشرعية والواقعية في الموقف المغربي، ويعكس إصرارا للدفاع عن السيادة المغربية في الصحراء من خلال ثلاث نقاط أساسية نوردها كالآتي:
• التمسك بمغربية الصحراء: ورد في الخطاب السامي “تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربيتهم” الأمر الذي يحيلنا أن مواطني الصحراء المغربية متمسكون بهويتهم المغربية.
• النهضة التنموية: وهي إشارة إلى التقدم الكبير الذي عرفته الأقاليم الجنوبية من حيث الأمن والتنمية الاقتصادية.
• الدعم الدولي: حقيقة تؤكد أن الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء ولمبادرة للحكم الذاتي، يعزز الموقف المغربي في الساحة الدولية.
ومن خلال النقاط الثلاث مجتمعة فإن جلالة الملك يؤكد أن الموقف المغربي ليس عاطفيا أو مسيسا، بل يرتكز على الحق والشرعية التي لا تقبل المساومة، في مواجهة الدول والأطروحات المعادية التي ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وتحديدا تلك التي تروج لفكرة الاستفتاء التي تخلت عنها الأمم المتحدة، وفقا لما أشار إليه جلالة الملك نصره الله.
المواقف المعادية والمزايدات السياسية
لقد وجه جلالة الملك رسائل حازمة إلى الأطراف المعادية للمغرب، فقد جاء في الخطاب عبارات دقيقة تفضح المتكالبين على المغرب ومن يدور في فلكهم من حيث أشار جلالته أنها أطراف “تعيش على أوهام الماضي” و”تتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”، هذه العبارات تحيلنا على إستياء المغرب من بعض الأطراف الدولية أو الإقليمية التي تسعى لتشويه الحقائق واستغلال القضية لأغراض سياسية، حيث يشير جلالة الملك نصره الله أن السعي لخلق انحرافات قانونية هدفه خدمة أجندات سياسية ضيقة، مشددًا في الوقت نفسه على أن المغرب لن يتراجع عن وحدته الترابية وأن التزاماته القانونية لن تكون على حساب سيادته الوطنية.

-الجالية المغربية أولوية وطنية:
إن الخطاب الملكي اليوم وكسابقيه من الخطب كان شموليا دقيقا ومستحضرا لمختلف الفئات وشرائح المواطنين المغاربة، حيث يتجلى الأمر بإستحضار دور الجالية المغربية في الخارج مع التأكيد على أهمية تعزيز ارتباط هذه الجالية بالوطن، وهو ما عبر عنه جلالته بإعلان إجراءات جديدة لتحسين إدارة شؤون الجالية المغربية وإعادة هيكلة المؤسسات المتدخلة، من خلال إحداث “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج” و”مجلس الجالية المغربية بالخارج”. هذه المؤسسات ستلعب أدوارا محورية من خلال:
• التمثيلية والتفكير الاستراتيجي: يمثل المجلس تمثيلية كاملة ومتوازنة لأفراد الجالية.
• تعزيز المساهمة الاقتصادية والثقافية: إشراك الكفاءات المغربية في الخارج، خاصة عبر تحفيز الاستثمارات وفتح آفاق جديدة.
• التواصل والتنسيق: تسهيل تواصل الجالية مع السلطات المحلية عبر تبسيط الإجراءات الإدارية.
وبشكل دقيق يمكن القول أن إستحضار الجالية المغربية في الخطاب الملكي يعكس وعيا عميقا بأهمية الجالية كأداة فاعلة في تعزيز وحدة الوطن، وداعما في التنمية الاقتصادية، من خلال تنمية مساهماتها الاستثمارية والثقافية.
مواصلة وتعزيز مسار التنمية بالمغرب
أشار جلالة الملك نصره الله في خطابه السامي للتحديات التنموية التي لا تزال تواجه بعض المناطق في المغرب، مع التأكيد على ضرورة أن تشمل ثمار التنمية كافة ربوع الوطن وحددها مجاليا بالقول من “الريف إلى الصحراء” وأن يشمل التقدم كل فئات المجتمع المغربي، مما يعزز القول أن الروح الوطنية الشاملة يجب أن تحرص على عدم تهميش أي جزء من التراب الوطني، وأن تهم فوائد التنمية المستدامة كل المغاربة.

-مسؤولية الأمم المتحدة وملف الصحراء المغربية:
إن دعوة جلالة الملك في جزء من الخطاب السامي الأمم المتحدة “تحمل مسؤوليتها” في توضيح الفرق بين “العالم الحقيقي” الذي يعكس الواقع الذي يعيشه المغرب في الصحراء، و”العالم المتجمد” الذي يعيش في أوهام الماضي، هو تشديد لجلالته على ضرورة أن ترفع الأمم المتحدة غطاء الدعم عن الأطروحات المضللة وتدعم الشرعية الدولية التي يرفعها المغرب.

-شهداء الوطن والمسيرة الوطنية:
في ختام الخطاب السامي، يذكر جلالة الملك بملهم المسيرة الخضراء وح المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، كما إستحضر جلالته كل الشهداء الذين ضحوا من أجل حرية واستقلال المغرب، وهذه الإشادة هي تعزيز للشرعية التاريخية، وتأكيد على أن التضحيات التي قدمها جيل من الوطنيين نحو تحقيق السيادة الكاملة.

د/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى