قبل 49 سنة، وبالتحديد في 16 أكتوبر من سنة 1975، أعلن الراحل الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء، التي مازالت تحظى بمصداقية كبيرة في الوجدان المغربي، بحيث تمثل ذاكرة الأجداد الذين ذهبوا في مسيرات سلمية وحضارية ليساهموا في مسار استكمال الوحدة الترابية وتطهير الأقاليم الجنوبية من بقايا الاستعمار.
قبل خوض المسيرة عملياً في 6 نونبر 1975، تم الإعلان عنها قبلها بشهر ونصف، لتكون الثمرة لاحقاً مشاركة 350 ألف مواطن ومواطنة مغربية متطوعين لخوض رحلة تحرير الصحراء المغربية، بحيث تجاوزوا “الخطوط الحدودية” المصطنعة التي كانت تفصل المغرب عن صحرائه؛ فبعد حصول البلد على الاستقلال أكد عام 1958 على مغربية الأقاليم الصحراوية، وطالب بضرورة تصفية الاستعمار في هذه المنطقة.
وبعدها، طرح المغرب قضية أقاليمه الجنوبية أمام الأمم المتحدة سنة 1964. وتفاعلت الجمعية العامة إيجاباً مع مطلب المملكة، ما تمخض عنه حث الهيئة الأممية إسبانيا على منح الاستقلال لهذه المناطق.
وخاض المغرب منذ المسيرة الخضراء غماراً دبلوماسياً حافلاً بالإنجازات في ما يخص استكمال وحدته الترابية، مازال مستمراً حتى اليوم بالنهج السياسي السلمي ذاته.
“فرصة لاستحضار الصرامة”
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، قال إن “الاحتفاء بالذكرى يجسّد مناسبة لاستحضار أهمية الحدث وواقع الأقاليم الجنوبية قبل المسيرة الخضراء، بحيث كانت في عهد الاستعمار تتميز بطابع البداوة، وتأثرت الساكنة بالسياسة الفاشية التي كرست الطابع البدوي والقبلي، وحرمت ساكنتها من العديد من فرص التنمية؛ لكن بعد سيادة المغرب على صحرائه تم تأهيل المنطقة تنموياً”.
وشدد عبد الفتاح على أن “المغرب في ظل هذه السنين حقق مكاسب دبلوماسية مهمة تنسف العقيدة الانفصالية وتثبت مغربية الصحراء والامتداد التاريخي لهذا الارتباط”، مضيفاً أن “الفرص التي تحققت للأقاليم الجنوبية بعد المسيرة الخضراء مثيرة للانتباه، نظراً لأهميتها، خصوصاً في ما يخص تدشين مجموعة من البرامج التي نجحت في إدماج ساكنة الأقاليم الجنوبية على كافة المستويات المدنية والسياسية”.
وأشار المصرح إلى أن “هذه الأقاليم صارت بفضل الدبلوماسية المغربية تحظى بمناخ حقوقي منفتح وبتعددية سياسية مهمة؛ حيث باتت المحطات الانتخابية تسجل أعلى نسب المشاركة السياسية، وهذا انعكس على جميع مستويات التدبير المحلي والإداري والمركزي”، مشيراً إلى أن “هذا ثمرة للدبلوماسية الصارمة والحازمة التي اتخذها المغرب تجاه صحرائه منذ استرجاعها”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الوضع في السنوات الأخيرة صار مختلفاً، بحيث كُرست صرامة المغرب في تأمين نقطه الحدودية منذ تأمين معبر الكركرات في 18 نونبر 2021 وما تلاه من تطورات دبلوماسية وميدانية وسياسية صبت كلها في صالح المملكة، وكشفت عن الهزائم التي يتلقاها المشروع الانفصالي”، مؤكداً أن “المغرب ساهم في تفكك المعسكر الداعم للانفصال في ظل تغير العديد من المواقف التي كانت تدعم هذا المشروع، وصرنا نرى قنصليات في الأقاليم الجنوبية تنضاف إلى ما حققته الرباط في ظل الـ48 سنة الأخيرة”.
“تسوية المنازعات بالإقناع”
من جهته، قال عباس الوردي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “المسار المغربي منذ إعلان الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء حتى الآن عرف تطورات ونجاحات هامة”، موضحاً أن “هذه المسيرة وضعت اللبنات الأساسية لمعالم خارطة الطريق التي سيعتمدها المغرب لتدبير هذا النزاع المفتعل حول الصحراء، وبالتالي إعطاء توجه جديد أساسي عنوانه السلمية والإقناع، كان من بين نتائجه اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء”.
وأضاف الوردي أن “هذا المسار الحافل بالجدية والاجتهاد، والقائم على الواقعية التاريخية والمصداقية السياسية، أسفر في النهاية عن تغير المقاربة الأممية، بعدما اتضحت جدية المغرب وواقعيته في تدبير هذا الملف في ظل مقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به سنة 2007″، مشيراً إلى أن “تغيير العديد من الدول موقفها كان نتيجة لذلك، ما ساهم أيضاً في توسيع رقعة الشركاء الدوليين الذين لديهم قناعات مشتركة بما يشمل حتى من لا يعرفون الشيء الكثير عن القضية الأولى”.
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية أن “قضية الصحراء منذ المسيرة الخضراء مرت بمجموعة من المحطات الكبرى التي شاء الملك محمد السادس أن يدشن من خلالها توليفة حديثة على أساس عنوانه الانفتاح على الآخر وإقناعه، وتقديم الأدلة الدامغة والحجج الكفيلة بإقناع مختلف الفاعلين بمصداقية الطرح المغربي، خصوصاً على مستوى مجلس الأمن واللجنة الرابعة وأيضاً شركاء المغرب”.
وكشف المتحدث ذاته أن “المغرب تمكن من توجيه ضربات دبلوماسية قاسية للفكرة الانفصالية ولمن يدعمها ويحتضنها”، مردفاً بأن “الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نوه حديثاً بجهود المغرب في حل هذا النزاع المفتعل؛ ما يبين أن الملك محمداً السادس نقل المسيرة الخضراء من صبغتها الرمزية التحريرية إلى صبغتها الحداثية التي استطاعت أن تنهي سجالاً عميقاً حول مغربية الصحراء”.