تخيم حالة من اليأس والإحباط على جزء كبير من الشعب المغربي، الذي يشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه الطبقة السياسية.
يشهد المشهد السياسي والاجتماعي في المغرب تفاقمًا ملحوظًا، يتجلى في انتشار الاستياء والاحتجاجات الشعبية، التي باتت تنفجر مع كل قرار حكومي يتنافى مع المصلحة العامة. في كل مرة يخرج المواطنون للتعبير عن غضبهم ورفضهم لهذه السياسات، تتصاعد التوترات، وأحيانًا تؤدي إلى اعتداءات على القوات الأمنية. هذه الاعتداءات ليست وليدة العنف المجتمعي العشوائي، بل هي نتيجة مباشرة للقرارات الحكومية المثيرة للجدل، التي تُشعر الشعب بأن حقوقه الأساسية مهضومة، ما يولد مشاعر الغضب ويدفع البعض إلى تصرفات غير محسوبة ضحيتها رجال أمن أبرياء.
أسباب الأزمة
الأزمة السياسية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب اليوم لا تقتصر على سبب واحد، بل هي نتاج تفاعل عدة عوامل متشابكة، أبرزها:
الفساد والمحسوبية: يعتبر الفساد والمحسوبية من أكثر الآفات التي تؤرق المجتمع المغربي، حيث أدى التحالف بين المال والسياسة إلى إهمال المصلحة العامة، وانتشار الرشوة والمحسوبية في مختلف القطاعات الحيوية. هذا الواقع أصبح يعوق التنمية المستدامة ويزيد من تراجع ثقة المواطنين في الطبقة السياسية.
غياب المحاسبة: يشكل غياب آليات فعالة للمساءلة والمحاسبة تحديًا كبيرًا. المسؤولون غالبًا ما يتجنبون المحاسبة، ما يشجع على استمرار الفساد واستغلال السلطة لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.
ضعف الأحزاب السياسية: تعاني بعض الأحزاب المغربية من ضعف كبير في تمثيلها للمواطنين، إذ غالبًا ما تكون برامجها الانتخابية غير واقعية ولا تستجيب لتطلعات الشعب. كما أن التشرذم الحزبي والنقص في الرؤية الاستراتيجية للتنمية جعل من هذه الأحزاب غير قادرة على إحداث التغيير المطلوب.
الترحال السياسي: ظاهرة الترحال السياسي، حيث ينتقل السياسيون بين الأحزاب بحثًا عن مصالح شخصية أو مادية، تُعد عائقًا أمام بناء أحزاب وتكتلات سياسية قوية وقادرة على طرح بدائل حقيقية، ما يزيد من تفاقم الوضع السياسي الهش.
هجرة الشباب: تشهد البلاد موجات متزايدة من هجرة الشباب، خاصة من حملة الشهادات العليا، بحثًا عن فرص عمل أفضل في الخارج. هذه الهجرة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية وتفاقم البطالة، وتُعتبر نزيفًا للكفاءات والموارد البشرية التي تحتاجها البلاد لتنميتها.
تجاوز هذه الأزمة يتطلب مجموعة من الإصلاحات الجذرية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أبرز هذه الحلول:
مكافحة الفساد: يجب تعزيز آليات مكافحة الفساد وتفعيل المساءلة والشفافية في كافة المؤسسات، وضمان محاسبة الفاسدين مهما كانت مواقعهم.
إصلاح القضاء: يتطلب الأمر إصلاحًا جذريًا لمنظومة القضاء، لضمان استقلاليته وحياده وتمكينه من لعب دوره في تطبيق القانون ومحاربة الفساد.
إصلاح النظام الانتخابي: لابد من إصلاح النظام الانتخابي لضمان تمثيل عادل لكافة شرائح المجتمع، وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين.
تعزيز دور المجتمع المدني: المجتمع المدني يلعب دورًا محوريًا في مراقبة أداء الحكومة والمساهمة في صياغة السياسات العامة. تعزيز دوره ضروري لضمان التوازن بين السلطة والشعب.
الاستثمار في التعليم والتكوين المهني: التعليم هو الركيزة الأساسية لأي تنمية، ويجب الاستثمار في تطويره وتوفير تكوين مهني يناسب متطلبات سوق العمل.
تشجيع الاستثمار: خلق بيئة مشجعة للاستثمار المحلي والأجنبي من شأنه أن يساهم في خلق فرص عمل جديدة، مما يساعد في تحريك عجلة الاقتصاد وتقليص نسب البطالة.
إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب تضافر جهود كافة الأطراف، من فاعلين سياسيين ومجتمع مدني ومواطنين، لبناء دولة المؤسسات والقانون، دولة قائمة على مبادئ العدالة والمساواة. فقط من خلال هذا الالتزام الجماعي يمكن للمغرب أن يتجاوز أزماته ويحقق مستقبلًا أفضل لجميع أبنائه.