قصص غارقة في الغرابة كشفت عنها أبحاث وتحقيقات باشرتها الشرطة القضائية مع مشتبه فيهم جرى إيقافهم أخيرا بمدن الشمال، ضبطوا في حالة التلبس بأعمال الحفر والتنقيب عن الكنوز المدفونة، وأبانت عن وقائع مثيرة امتزج فيها الواقع بالخيال، سيما تصريحات بعض الفقهاء الموقوفين، الذين اقروا بأنهم يمتهنون هذه الحرفة ويرتزقون من ورائها، ولا يتوانون عن السفر إلى أبعد المناطق، بحثا على نفائس الذهب والفضة والأحجار الكريمة والنقود القديمة.وأبرز الموقوفون أنهم يستخدمون لإخراجها وسائل تقنية ومعدات متطورة للحفر، وكذا عناصر دينية كالأدعية والابتهالات وقراءة بعض السور القرآنية،
موازاة مع طقوس خاصة مستوحاة من كتب وعوالم السحر والجن، مستعينين، في كثير من الحالات، بالأطفال المعروفين في المجتمع المغربي باسم “الزوهريين”،الذين لهم مواصفات جسدية معينة، خاصة شكل العين واللسان وراحة اليد.
أحبطت المصالح الأمنية بعاصمة البوغاز طنجة، أخيرا، عدة محاولات للنبش في أماكن تشتهر بالدفائن الثمينة، واعتقلت، في ساعات متأخرة من الليل، عشرات الأشخاص وهم منهمكون في حفر قطع أرضية بحثا عن الكنوز المدفونة بها، وضبطت بحوزتهم وسائل ومعدات متطورة للحفر والتنقيب، وكذا وثائق وكتب قديمة وخرائط للمنطقة يحتمل أنها دلائل يستعين بها الموقوفون في تحديد المواقع المستهدفة، ومازال البحث مستمرا لإيقاف أشخاص آخرين فارين يشتبه في انتمائهم لهذه العصابة الإجرامية، التي يرجح أن تكون لها امتدادات على المستوى الوطني.
وتعرض “الصباح” مجموعة من الحوادث المثيرة التي شهدتها المدن الشمالية وعدد من القرى والمداشر المجاورة لها، أبطالها فقهاء وأطر وشباب انخرطوا في عصابات إجرامية متخصصة في نبش الأضرحة والمساجد والأماكن الخارجة عن الحراسة بحثا عن الكنوز المدفونة، بالإضافة إلى حوادث اختفاء أطفال لهم صفات معينة معروفين باسم “الزوهريين”، الذين يتم اختطافهم من قبل عصابات تستخدمهم في عملية استخراج الكنوز، وهي من الظواهر الإجرامية المخيفة لعدد من الآباء والأمهات بالمنطقة الشمالية.
عصابة يتزعمها مدير وكالة بنكية
في واقعة مثيرة وصل صداها لمنصات ومنابر إعلامية دولية، تقمص دور البطولة فيها مدير وكالة بنكية بطنجة، الذي ضبط رفقة ثلاثة أشخاص آخرين، من بينهم فقيه في الثمانين من العمر، في حالة تلبس وهم منهمكون في عملية حفر قطعة أرضية عارية تقع بحي “الشجيرات”، التابع لمقاطعة مغوغة شرق طنجة.
وجاءت عملية إيقاف المشتبه فيهم الأربعة، بناء على إخبارية توصل بها عون للسلطة بالمنطقة من قبل أحد المواطنين، الذي أبلغ عن عملية حفر تتم في ظروف مشبوهة في ساعة متأخرة من الليل، فانتقلت إلى المكان عناصر الحرس الترابي رفقة أعوان السلطة وقائد الملحقة الإدارية العاشرة، فضبطوا عددا من الأشخاص وهم يباشرون عملية الحفر بواسطة جرافة كبيرة، فقاموا بمحاصرة أربعة منهم، بينما تمكن آخرون من الفرار على متن سيارة رباعية الدفع.
وفور إخطارها بالواقعة، التحقت بالمكان فرقة أمنية تابعة للمنطقة الثانية لبني مكادة، وقامت بإيقاف المشتبه فيهم الأربعة، الذين أبدوا مقاومة عنيفة في حق الأمنيين، إلا أن أفراد الدورية نجحوا في شل حركتهم واقتادوهم إلى مقر الشرطة، حيث تم وضعهم تحت تدبير الحراسة النظرية لتعميق البحث معهم حول ملابسات هذه الواقعة، وكذا الكشف عن هوية الأشخاص الفارين المشتبه في انتمائهم لهذه العصابة الإجرامية، فيما تم حجز الجرافة ومعدات مختلفة للحفر (فؤوس ومعاول ورفوش حديدية…)، وكذا وثائق وكتب قديمة وخرائط للمنطقة، بالإضافة إلى سيارة خفيفة من نوع “رونو اكسبريس”.
وبعد الانتهاء من إعداد المحاضر القانونية، أحيل الموقوفون الأربعة على أنظار وكيل الملك لدى ابتدائية المدينة، الذي قرر متابعتهم بتهم تتعلق بـ “تكوين عصابة إجرامية متخصصة في استخراج الكنوز دون ترخيص من الدولة والشعوذة واستعمالها والمشاركة”.
تخريب أضرحة ومساجد
تعرضت، في الآونة الأخيرة، عدد من المساجد والأضرحة بمجموعة من الدواوير والقرى الواقعة بتراب جهة طنجة تطوان الحسيمة، للتخريب من قبل عصابات التنقيب عن الكنوز، كان آخرها مسجد بدوار يقع بقرية “الخطوط” التابعة لجماعة بني جرفط (إقليم العرائش)، الذي يعتبر من أقدم المساجد بالمنطقة، وتعرض لعملية تخريب نفذها مجهولون يعتقد أنهم كانوا يبحثون عن كنز مدفون تحت أرضية محرابه، قبل أن يلوذوا بالفرار تحت جنح الظلام، إذ لم يعرف إن كانت العصابة، التي يجهل عدد أفرادها، نجحت في استخراج “الكنز المزعوم”.
وذكر فاعل جمعوي ينتمي للقرية ذاتها، أن أشخاصا مجهولين قاموا باعتداء شنيع على مسجد القرية، خاصة أرضية المحراب التي طالها الحفر والتخريب، مبرزا أن أفراد العصابة حلوا ليلا بالقرية ودخلوا المسجد دون أن يشعر بوجودهم أحد، وقاموا بحفر أرضيته بطريقة عشوائية غير آبهين بحرمته، ما أدى إلى إتلاف عدد من المصاحف والسجادات المخصصة للصلاة، مبرزا أن المنطقة كانت دائما هدفا للباحثين عن الكنوز، وشهدت عدة مرافق دينية، خلال السنوات الماضية، أعمالا تخريبية مشابهة استنزفت التراث المحلي الذي هو تاريخ للسكان.
وبعد إشعارها بالواقعة، حلت بالقرية عناصر من الضابطة القضائية تابعة للدرك الملكي الإقليمي بالعرائش، التي فتحت، بأمر من النيابة العامة، بحثا قضائيا لتحديد ظروف وملابسات هذه الواقعة، وعملت على رفع البصمات من أماكن مختلفة بهدف الوصول إلى هوية الفاعلين، الذين يرجح أنهم غرباء عن المنطقة.
اختطاف الأطفال
أغلب العصابات المتخصصة في التنقيب عن الكنوز المدفونة، تعتمد في عملياتها على أطفال لا يتعدى عمرهم عشر سنوات، تتوفر فيهم سمات جسدية معينة (خط متصل يقطع راحة اليد بشكل عرضي أو خط يقطع اللسان بشكل طولي)، وتقوم باختطافهم للاستعانة بهم في عملية استخراج الكنوز الدفينة، إلا أنهم يقومون بقتلهم بعد الانتهاء من هذه الطقوس الغريبة، وفي حالات نادرة يتم بيعهم لعصابات أخرى أو إعادتهم إلى أسرهم.
ولعل واقعة الطفل (ص)، الذي عثر عليه ميتا في ظروف غامضة وسط بئر بستان قريبة من منزل أسرته، من بين أخطر حوادث الاختطاف التي شهدتها مدينة البوغاز في السنوات الأخيرة، نظرا لما خلفته من مظاهرات شعبية متضامنة مع أسرة الضحية، واحتجاجات صاخبة تندد بتقصير الأجهزة الأمنية في حماية الأطفال ومعالجة قضايا اختطافهم والتنكيل بجثثهم.
وتفجرت هذه القضية، حين اختفى الطفل عن الأنظار من أمام منزله بالحي الشعبي “خندق الرمان” بمسنانة، ليوجه أفراد أسرته اتهاماتهم لجارتهم (ع.ش)، التي تبيع الأعشاب وتمارس الشعوذة في الحي، حيث جرى استنطاقها من قبل المصالح الأمنية، إلا أنها أنكرت كل المنسوب إليها فأطلق سراحها في اليوم نفسه، ما خلف استياء وتذمرا لدى سكان الحي وعدد من الجمعيات الحقوقية، لاسيما أن الحي ذاته عرف حالات مشابهة دون أن تتمكن مصالح الأمن من الوصول إلى هوية مقترفيها.
وفي مشاهد أخرى لهذه “الظاهرة الغريبة”، نجا عدد من الأطفال من موت محقق، من بينهم طفل حاول شخصان اختطافه من أمام مدرسة “آسية الوديع” في منطقة بن ديبان، حين قاما باعتراض سبيله وحاولا إرغامه بالقوة على الركوب معهما في سيارة من نوع “رونو بارتنير”، إلا أن صراخه أثار انتباه المارة، الذين تدخلوا وأنقذوا الطفل من الخطر المحدق به، بعد أن أرغموا الخاطفين على الفرار تاركين الضحية في ظروف نفسية سيئة.
كما نجا طفل آخر من عملية اختطاف مثيرة دارت أحداثها بحي “أطلس” بمقاطعة “السواني»، وقام بتنفيذها شخص كان على متن سيارة مرقمة بإسبانيا، تمكن من السيطرة على الضحية وأرغمه بالقوة والتهديد على ركوب سيارته، إلا أن تدخل مجموعة من شباب الحي حال دون إتمام هذا الفعل الجرمي، حيث تخلى المختطف عن الطفل ولاذ بالفرار إلى وجهة مجهولة، بعد استخدامه لغاز “الكريموجين” وسلاح أبيض.
تساهل القانون وراء تنامي الظاهرة
ليس هناك ما يؤكد وجود كنوز بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هناك حالات يتم العثور فيها على أشياء ليست لها قيمة مادية كبيرة، وتتكون من معادن من البرونز وأحيانا من الفضة ونادرا من الذهب، يرجع تاريخها غالبا للحقبة الإسلامية والرومانية، حين كان الناس يكتنزون في “مطامير” ما يوفرونه من مال وفضة وذهب، ويسجلون خرائط على الجلد تبين الشيء المخزن ونعوته ومكان تخزينه، وهي الخرائط التي تسقط في أيادي من يزعمون أنهم يعرفون مكان وكيفية استخراج الكنوز، ويدعون أنها محاطة بالجن ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق السحر.
القانون الجنائي متساهل مع جرائم استخراج الكنوز رغم تنامي هذه الظاهرة بشكل مثير، فما هي أسباب عدم تشديد العقوبة؟
فعلا، القانون المغربي متساهل جدا مع جرائم النبش في القبور واستخراج الكنوز المزعومة، رغم تنامي هذه الظاهرة بشكل خطير، إذ نجد أن الفصل 528 من القانون الجنائي، ينص على معاقبة مقترفي هذه الجرائم ببضعة أشهر مع غرامات مالية محتشمة لا تتجاوز 250 درهما أقصى قيمة، وقد ترتفع إلى عقوبة سجنية تفوق 3 سنوات في حال رافقت هذه الجرائم، التي تعتبر جنحة تأديبية، جنايات مثل تكوين عصابة إجرامية أو اقتحام ملكية خاصة أو استغلال الأطفال وغيرها من الجرائم، وهو ما يشجع هؤلاء على العودة لممارسة أنشطتهم المدرة للمال مباشرة بعد خروجهم من السجن.
ماهي الحلول الناجعة للحد من هذه الظاهرة؟
يجب أن نعلم أن آفة التعاطي للبحث عن الكنوز ناتجة عن حالة الفقر التي يعانيها المجتمع، إذ نجد أن ممارسي هذه “المهنة” يلجأون إلى الهروب من الواقع الذي يعيشون فيه، والاعتماد على خرافات مثل البحث عن الكنوز والمدفونات في مختلف المناطق، معتقدين أن العثور على الكنز يمكنهم من الحصول على ثروات تغير وضعهم الاجتماعي، وتنتقل بهم من حالة الفقر إلى الغنى.
لذا وجب تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين والرفع من مستوى الوعي لديهم حتى يتخلوا عن هذه الخرافات والأساطير، والبحث عن عمل جاد ومنتج.
عن الصباح بتصرف