
يعيش نظام العسكر الجزائري على وقع ارتباك غير مسبوق، بعد إعلان بلجيكا، أمس الخميس 23 أكتوبر، اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، في خطوة جديدة تعمق عزلة الطغمة العسكرية، وتكشف هشاشة أطروحة “تقرير المصير” التي ظلت لعقود ورقة توت تغطي على مشاريع الفساد والهيمنة داخل المؤسسة العسكرية.
فما إن غادر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة العاصمة البلجيكية، حتى سارع كابرانات الجزائر إلى إجراء اتصالات عاجلة مع بروكسل، في محاولة متوترة لاحتواء الصدمة الدبلوماسية. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة خارجية العسكر الجزائري أن أحمد عطاف اتصل بنظيره البلجيكي ماكسيم بريفو، لمناقشة “التعاون الثنائي” و”التحضيرات للاجتماعات المقبلة”. غير أن هذه العبارات تخفي وراءها ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي يعتبر مسألة موت او حياة بالنسبة لنظام العسكر. والملاحظ أن بروكسل التزمت الصمت التام، دون أي تعليق رسمي أو إشعار دبلوماسي يعكس تجاوبا مع انفعال الجزائر.
هذا التحرك المتسرع يندرج في سياق أوسع من التحركات الدفاعية التي تقوم بها الدبلوماسية العسكرية الجزائرية قبيل جلسة مجلس الأمن المقررة في نهاية أكتوبر، والتي ينتظر أن تكون منعطفا حاسما في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. إذ تشير كل المؤشرات إلى أن مشروع القرار الأممي المرتقب سيكرس أولوية مبادرة الحكم الذاتي المغربية، ويقيد هامش المناورة الذي ظل النظام الجزائري يستغله لعقود لتمويل ميليشيا “البوليساريو” والترويج لأطروحة الانفصال.
ويبدو أن الجنرالات الجزائريين يعيشون لحظة وعي متأخرة بأن اللعبة الدبلوماسية التي نسجوها منذ أكثر من نصف قرن توشك على الانهيار. فاعترافات متتالية من دول أوروبية مؤثرة، من إسبانيا وفرنسا إلى بلجيكا، تؤكد أن المجتمع الدولي أغلق صفحة “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، وأن الرهان اليوم هو على حل سياسي واقعي وعملي يضمن الاستقرار الإقليمي.
غير أن هذا الانهيار المعنوي لا يعني أن النظام العسكري سيتخلى بسهولة عن ورقة الصحراء. فهذه القضية، بالنسبة له، ليست ملفا سياسيا بقدر ما هي مسألة حياة أو موت وشريان مالي حيوي يبرر تحويلات ضخمة من ميزانيات الدولة نحو جيوب الجنرالات والمقربين منهم. فتحت غطاء “دعم الشعب الصحراوي”، تموَل شبكات فساد وشراء ذمم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنظمات غير حكومية في أوروبا وتبرمج ميزانيات ضخمة لشراء الأسلحة والعتاد العسكري وتقوية مؤسسة الجيش التي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة بالجزائر.
ويجمع مراقبون أن الجزائر، أمام هذه التطورات، تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر تحركات متوترة وبيانات دبلوماسية جوفاء، لكنها تدرك أن المعادلة تغيرت جذريا. فالأمم المتحدة لم تعد تتحدث إلا عن “الحكم الذاتي”، والدول الكبرى ترى في المقترح المغربي الحل الواقعي الوحيد.
وفي الوقت الذي تراهن الرباط على الشرعية الدولية والمشروعية التاريخية، لا يملك النظام الجزائري سوى تكرار خطاب خشبي متكلس فقد مصداقيته حتى لدى حلفائه التقليديين. فـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية التي يتشبث بها الجنرالات لم تعد سوى أسطورة دعائية تستعمل لتبرير استمرار حكمهم المطلق وتمويل شبكاتهم الريعية المرتبطة بالنفط والغاز.
ومع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن، يبدو أن نظام العسكر الجزائري يعيش آخر أيامه، بعدما فشلت كل محاولاته في التأثير على مواقف العواصم الكبرى. إن ما ينتظر النظام في الجزائر هو صفعة دبلوماسية موجعة قد تفتح الباب لنقاش داخلي حول جدوى استمرار المغامرة الصحراوية، التي استنزفت ثروات البلاد، وعزلت الجزائر عن محيطها المغاربي والإفريقي، وهي بداية لنهاية حكم الطغمة العسكرية التي جعلت من معاداة المغرب ومن ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مشجبا تعلق عليه فشلها وكل ازماتها ومبررا لقمع الشعب وتخوين كل من سولت له نفسه معارضة قرارات وسياسات الطغمة العسكرية الحاكمة.
ويمكن القول إن الجزائر دخلت مرحلة الدفاع الأخير، تحاول فيها تأجيل الهزيمة السياسية، لكن الواقع الدولي تجاوزها، فالدينامية الحالية تقود إلى إغلاق نهائي لملف هذا النزاع المفتعل، ونهاية أسطورة “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، التي ستسقط معها آخر ورقة تين تغطي فساد جنرالات قصر المرادية.



