
شهدت مدينة آسفي، اليوم الأحد 14 دجنبر 2025، واحدة من أخطر الكوارث الطبيعية خلال السنوات الأخيرة، بعدما تسببت تساقطات رعدية قوية ومركزة في فترة زمنية وجيزة في فيضانات جارفة خلّفت حصيلة بشرية ثقيلة وأضرارًا مادية جسيمة. فبحسب معطيات رسمية مؤقتة، أسفرت السيول عن وفاة سبعة أشخاص وإصابة نحو عشرين آخرين، نُقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاجات الضرورية، فيما غمرت المياه عددا من المنازل والمحلات التجارية، وجرفت سيارات وأتلفت ممتلكات، خصوصًا بالأحياء العتيقة والمناطق المنخفضة.
هذه الفاجعة لم تكن فقط نتيجة قوة الطبيعة، بل كشفت، مرة أخرى، هشاشة البنية التحتية الحضرية، وعجز شبكات الصرف الصحي عن استيعاب كميات الأمطار المتساقطة وتصريفها في الوقت المناسب. مشهد المياه التي اجتاحت الأزقة الضيقة والمنازل أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة متجددة حول مدى استعداد المدن المغربية لمواجهة الظواهر المناخية القصوى، التي لم تعد استثناءً، بل أصبحت واقعًا متكررًا بفعل التغيرات المناخية.
وفي الوقت الذي هرعت فيه فرق الوقاية المدنية والسلطات المحلية والأمنية إلى مواقع الكارثة بآسفي، حيث باشرت عمليات الإنقاذ وتطويق المناطق الخطرة ومساعدة المتضررين، يتجاوز النقاش حدود التدبير الآني للأزمة ليطرح بإلحاح مسألة الوقاية والاستباق. فالكلفة الإنسانية والمادية لمثل هذه الكوارث لا يمكن مواجهتها فقط بردود فعل بعد وقوع الفاجعة، بل تتطلب سياسات عمومية واضحة تقوم على التخطيط المسبق، وتأهيل البنية التحتية، ورصد النقاط السوداء، وتحيين مخططات تدبير مخاطر الفيضانات.
ومن هنا يبرز سؤال مشروع يفرض نفسه بقوة في جهة سوس ماسة عمومًا، وإقليم إنزكان آيت ملول على وجه الخصوص: ماذا قامت به الجماعات الترابية بالإقليم لتفادي تكرار سيناريو مأساوي كالذي عرفته آسفي؟
إقليم إنزكان آيت ملول يضم بدوره مناطق منخفضة وأحياء هشة تعرف كثافة سكانية عالية، وشهد في سنوات سابقة فيضانات محلية تسببت في خسائر متفاوتة. ورغم الحديث المتكرر عن برامج لإعادة تأهيل شبكات التطهير السائل، وتنقية قنوات تصريف مياه الأمطار، ومعالجة النقط السوداء، إلا أن السؤال يبقى مطروحًا حول مدى نجاعة هذه التدخلات، وهل شملت فعلاً جميع المناطق المهددة، أم ظلت مجرد حلول جزئية لا ترقى إلى مستوى الخطر المحدق.
فهل قامت الجماعات المعنية بجرد دقيق للمناطق المعرضة للفيضانات؟ وهل تم احترام معايير التهيئة الحضرية وعدم الترخيص بالبناء في مجاري المياه والمناطق الخطرة؟ وهل توجد مخططات استعجالية واضحة للتدخل السريع والتواصل مع الساكنة في حال حدوث تساقطات استثنائية؟ أم أن منطق رد الفعل ما زال هو السائد، في انتظار وقوع الكارثة للتحرك؟
إن فاجعة آسفي يجب ألا تُقرأ كحدث معزول، بل كإنذار حقيقي لباقي المدن والأقاليم، ومن بينها إنزكان آيت ملول، بضرورة الانتقال من التدبير الظرفي للأزمات إلى سياسة استباقية شاملة، تُعلي من قيمة الوقاية وتحمي أرواح المواطنين وممتلكاتهم. فالتغيرات المناخية لا تنتظر، والكلفة الإنسانية لأي تقصير قد تكون أفدح من أن تُبرر بالصمت أو التأجيل.



