حين يتحول العمل الجمعوي إلى واجهة انتخابية: انحراف الأدوار وغياب الضوابط في إقليم إنزكان آيت ملول

يُفترض في الجمعيات المدنية أن تكون فضاءً نزيهًا لخدمة الصالح العام، ومختبرًا للمبادرات المواطِنة التي تعزز قيم التضامن والمسؤولية والمشاركة في التنمية المحلية. غير أن الواقع بإقليم إنزكان آيت ملول يكشف عن انزياحات مقلقة في هذا المجال، بعد أن تحوّل بعض الفاعلين الجمعويين إلى أدوات في يد السياسيين، وابتعدت العديد من الجمعيات عن أهدافها الأصلية نحو مسارات انتخابية خفية.

فقد أضحت الساحة الجمعوية، في بعض جماعات الإقليم، مشهدًا تختلط فيه الأدوار وتغيب فيه الحدود بين ما هو مدني وما هو سياسي، إذ صار مألوفًا أن نرى جمعيات تتحرك فقط قبيل الاستحقاقات الانتخابية، أو ترفع شعارات تنموية ظاهرها الخير وباطنها الصراع الحزبي. الأسوأ من ذلك أن بعض السياسيين باتوا يستعملون جمعيات بأسماء براقة كأذرع موازية لتصفية الحسابات مع خصومهم، أو لكسب تعاطف الساكنة تحت غطاء “العمل الاجتماعي”.

هذه الممارسات تتعارض صراحة مع روح القانون، الذي يمنع استعمال الجمعيات كغطاء للحملات الانتخابية أو كوسيلة لتلقي تمويلات باسم المجتمع المدني لخدمة أجندات حزبية. فالجمعيات، وفق ظهير الحريات العامة، تُنشأ لتحقيق أهداف اجتماعية وثقافية وتنموية، لا لتكون منصة لترويج الخطاب السياسي أو ممرًا سريًا نحو الكراسي الانتخابية.

إن ما يجري اليوم في الإقليم يفرغ العمل الجمعوي من معناه، ويسيء إلى آلاف المناضلين الحقيقيين الذين يشتغلون في صمت لخدمة المواطنين بعيدًا عن الأضواء والمصالح. كما أنه يخلق نوعًا من الارتباك في العلاقة بين المواطن والجمعية، حين يفقد الناس الثقة في صدقية الخطاب المدني بعد أن يكتشفوا أنه مجرد ستار سياسي.

إن الحاجة اليوم ملحّة إلى إعادة ترتيب البيت الجمعوي بالإقليم، عبر تفعيل المراقبة الإدارية، وربط الدعم العمومي بمعايير الشفافية والنزاهة، مع إلزام الجمعيات بتقديم تقارير مالية وأدبية واضحة تعكس طبيعة أنشطتها الحقيقية. كما يتوجب على النسيج الجمعوي الجاد أن يرفع صوته في وجه هذه الانحرافات، حماية لسمعة العمل المدني الذي يمثل ركيزة أساسية في التنمية المحلية.

فالجمعية ليست حزبًا، ولا يجب أن تكون. وإذا كان بعض الفاعلين قد اختاروا توظيفها لأغراض سياسية، فإن الصمت إزاء ذلك هو أخطر أشكال التواطؤ. المطلوب اليوم هو الفصل الواضح بين الفاعل الجمعوي الذي يخدم المواطن، والسياسي الذي يسعى إلى تمثيله — حتى لا يتحول المجتمع المدني من قوة اقتراحية إلى أداة انتخابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى