فضائح تفويت أراضي الجموع بسيدي بيبي وآيت عميرة أمام القضاء: حكم يكشف شبكة النصب والتلاعب العقاري

في ملف قضائي معقد هزّ الرأي العام المحلي والجهوي، أصدرت المحكمة الابتدائية بانزكان بتاريخ 15 يناير 2024 حكمًا قضائيًا في واحدة من أكثر القضايا حساسية والمتعلقة بالتصرف غير المشروع في أراضي الجموع التابعة لجماعتي سيدي بيبي وآيت عميرة بإقليم شتوكة آيت باها. القضية، التي جرت أطوارها لسنوات طويلة بين أروقة الضابطة القضائية وقاضي التحقيق، كشفت عن خيوط شبكة متشابكة من المتهمين والمنتفعين على حساب ذوي الحقوق، وسط اتهامات بالنصب، التدليس، وتفويت مساحات شاسعة بطرق غير قانونية.

أصل القضية: شكايات وتبليغات مجهولة

انطلقت التحقيقات سنة 2017 إثر شكاية مجهولة تحدثت عن “عصابة منظمة” متخصصة في الاستيلاء على الأملاك السلالية وتشجيع البناء العشوائي، بتواطؤ بعض المسؤولين وأعضاء المجلس النيابي السلالي. هذه الشكاية دفعت النيابة العامة إلى فتح بحث قضائي موسع، أفضى إلى الاستماع لعشرات الشهود والأعضاء السابقين والحاليين بالمجلس النيابي، الذين قدموا شهادات مثيرة عن تفويتات مشبوهة، تلاعب باللوائح، وإقصاء متعمد لذوي الحقوق.

شهادات تكشف المستور

أعضاء سابقون في المجلس النيابي،تحدثوا عن هيمنة مطلقة للرئيس “س ش” ونائبه “ح أ” على القرارات المصيرية، وغياب أي إشراك فعلي لباقي النواب. شهاداتهم أكدت أن لوائح ذوي الحقوق تضم أسماء غرباء اشتروا “حق المنفعة” بطرق ملتوية، فيما تم إقصاء مستحقين حقيقيين لم يدرجوا في اللوائح.

كما تم الكشف عن منح شواهد استغلال متناقضة لنفس العقار لأكثر من شخص، وكراءات وتفويتات لمستثمرين دون سلك المساطر القانونية، من بينها مشروع تفويت 204 هكتارات لفائدة مؤسسة العمران، الذي توقّف بسبب اعتراضات قوية من ذوي الحقوق بعد اكتشاف ضمّ عقارات خاصة إلى الوعاء المفوت.

اتهامات بالتلاعب والتواطؤ

التحقيقات أظهرت وجود شبهات قوية حول استعمال طابعين مختلفين داخل المجلس النيابي، أحدهما لدى الرئيس والآخر لدى كاتبه، وهو ما استُغل في تحرير وثائق متناقضة. كما أشار الشهود إلى تدخلات “غرباء نافذين” استفادوا من عقود مشبوهة، بينهم مستثمرون أجانب ومغاربة استحوذوا على أراضٍ مخصصة للجماعة السلالية، بعضها ملاصق حتى لمدافن الموتى بدوار تكاظ.

صوت المتضررين

المتضررون أكدوا أن ممتلكاتهم تم ضمها قسرًا إلى المساحات المفوتة، دون أي إشعار أو تعويض، معتبرين أن الأمر يتعلق بـ”استيلاء صريح على ملك الغير بتواطؤ جهات رسمية”.

بين الحكم القضائي وانتظار الإنصاف

الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بانزكان اعتبر المتهمين مسؤولين عن جنح النصب والتصرف غير المشروع في أموال غير قابلة للتفويت، طبقًا للفصول 540 و542 من القانون الجنائي. ورغم أن القضية لم تُغلق بعد بشكل نهائي، فإنها تمثل صفعة قوية لسياسات التسيير المبنية على الغموض والمحسوبية في تدبير أراضي الجموع.

أزمة مستمرة

القضية أعادت إلى الواجهة النقاش القديم-الجديد حول إصلاح نظام أراضي الجموع، وحول غياب الحكامة والشفافية في تدبيرها. فالأراضي التي يفترض أن تكون رافعة للتنمية ومصدر عيش لآلاف الأسر، تحولت إلى بؤرة نزاعات ومحطة استنزاف بفعل سوء التدبير والتلاعبات التي تورطت فيها أطراف نافذة محلية وجهوية.

إن ما كشفه هذا الملف القضائي لا يعكس فقط خروقات معزولة، بل يضع الأصبع على بنية فساد عميقة تتطلب إرادة سياسية وإصلاحات قانونية حازمة، حتى تعود أراضي الجموع إلى وظيفتها الأصلية: خدمة ذوي الحقوق والتنمية المحلية، لا جيوب المستفيدين غير الشرعيين.

SKM_C224e25090522240_250905_212907

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى