
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة محاولات متكررة لإعادة تجديد النخب السياسية، في سياق يتسم بتعاظم المطالب الاجتماعية، وتزايد الحاجة إلى كفاءات قادرة على مواكبة التحولات التكنولوجية والتنموية. وفي هذا السياق، برزت أسماء شابة مثل نوال اليتيم، عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، التي تجمع بين الالتزام السياسي والحس المستقبلي، خصوصًا في ربطها قضايا التنمية بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
لكن حضور اليتيم لا يمكن قراءته بمعزل عن تجارب أخرى، مثل أمينة ماء العينين (العدالة والتنمية) أو شرفات أفيلال (التقدم والاشتراكية)، اللتين برزتا خلال العقدين الأخيرين كأصوات شبابية ونسائية استطاعت أن تفرض نفسها داخل الساحة السياسية. غير أن مسار هاتين التجربتين كشف أيضًا عن محدودية قدرة النظام الحزبي المغربي على احتضان القيادات الشابة، إذ غالبًا ما يتم تهميشها أو دفعها إلى الهامش عند اصطدامها بالبنيات التقليدية وهيمنة “الحرس القديم”.
في المقابل، تحاول نوال اليتيم أن تقدم صورة مغايرة، فهي لا تكتفي بخوض معارك حول المشاركة النسائية والشبابية، بل تذهب أبعد من ذلك نحو طرح أسئلة تتعلق بمستقبل التنمية بالمغرب، في أبعادها التكنولوجية والرقمية. غير أن هذا الطرح يواجه تحديين أساسيين:
التحدي المؤسساتي: أي مدى استعداد الأحزاب، بما فيها حزب الأصالة والمعاصرة، لتبني أجندة تكنولوجية ورقمية تتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات العمومية.
التحدي المجتمعي: إذ ما يزال جزء كبير من المواطنين يعتبر أن أولوياتهم مرتبطة بقضايا معيشية يومية (الشغل، الصحة، التعليم)، بينما تبقى النقاشات حول الذكاء الاصطناعي أو الثورة الرقمية بعيدة عن إدراكهم المباشر.
إن مقارنة مسار نوال اليتيم مع تجارب شبابية سابقة تُظهر بوضوح أن حضور الشباب في السياسة المغربية يتأرجح غالبًا بين رمزية التمثيل وفعالية التأثير. وإذا كانت بعض التجارب قد اصطدمت بحدود المنظومة الحزبية التقليدية، فإن اليتيم تواجه التحدي نفسه: هل ستظل في حدود صورة لوجه شاب ونسائي يعطي الانطباع بالتجديد، أم أنها ستتمكن من ترسيخ حضورها كصوت اقتراحي حقيقي قادر على التأثير في القرار السياسي؟
الجواب عن هذا السؤال لن يحدده مسار نوال اليتيم وحدها، بل سيتوقف على إرادة الأحزاب في تجديد بنيتها الداخلية، وفتح المجال أمام جيل جديد يمتلك الجرأة والخيال السياسي. وفي حال تحقق ذلك، يمكن لنوال اليتيم وأمثالها أن يمثلوا بداية مرحلة جديدة في السياسة المغربية، حيث يصبح الشباب والنساء فاعلين أساسيين في صناعة التغيير، بدل أن يظلوا مجرد واجهة تجميلية لشعارات حزبية.