
في تطور يعكس حالة احتقان اجتماعي غير مسبوقة، وجه عشرات الحرفيين والصناع التقليديين بمدينة آيت ملول نداء استغاثة إلى جلالة الملك محمد السادس، يلتمسون فيه تدخله السامي لإنصافهم بعد ما وصفوه بـ”الإقصاء المتعمد” من مشروع طال انتظاره لعقود. وجاءت هذه الخطوة بعد صدمة قوية تلقاها الحرفيون عقب الحذف المفاجئ للمنطقة الحرفية المبرمجة جنوب أزرو من النسخة الأخيرة لتصميم التهيئة المعروض مؤخرًا للبحث العمومي من طرف جماعة آيت ملول.
مشروع كان بمثابة حلم جماعي… أُقصي فجأة
جمعيتا جمعية “الوفاق للمهنيين والصنّاع” و”السعادة للأعمال الاجتماعية للصناع والحرفيين بأيت ملول” اللتان قادتا هذه الخطوة، عبّرتا عن استغرابهما الشديد من هذا “التراجع غير المبرر، رغم أن إدراج المشروع في التصميم الأولي اعتُبر مكسبًا تنمويًا وعدالة مجالية طالما انتظرها الحرفيون.
وقد جاء الحذف دون أي إشعار أو إشراك للفئات المعنية، في خرق واضح لمبادئ المقاربة التشاركية والحكامة الجيدة التي أكد عليها جلالة الملك في خطبه السامية، ما زاد من حجم الإحباط لدى الحرفيين الذين اعتبروا القرار تهديدًا مباشرا لأرزاقهم ومصدر عيشهم، وإجهازًا على مشروع وُصف بأنه “طوق نجاة” من الفوضى والعشوائية.
ثلاث مطالب واضحة في العريضة المرفوعة لجلالة الملك
العريضة التي رُفعت إلى جلالة الملك تضمّنت ثلاث مطالب رئيسية:
فتح تحقيق شفاف لكشف ملابسات حذف المنطقة الحرفية من التصميم.
إعادة إدراج الصيغة الأصلية للمشروع التي صادقت عليها الجهات المعنية، وتم تخصيص دعم مالي لها.
تمكين الحرفيين من فضاء مهني منظم يحفظ كرامتهم ويساير توجهات العدالة المجالية والتنمية المحلية.
وأكد الموقعون على العريضة تمسكهم بالثوابت الوطنية، وتجديد ولائهم للعرش العلوي المجيد، معربين عن ثقتهم الكاملة في حكمة وتبصّر جلالة الملك.
احتجاجات وغضب في الشارع… والعامل يتدخل
تزامنًا مع هذه التطورات، نظم عدد من الحرفيين وقفة احتجاجية أمام مقر الجماعة للتعبير عن استيائهم مما وصفوه بـ”التجاهل والتهميش الممنهج”، ما دفع عامل إقليم إنزكان أيت ملول، السيد إسماعيل أبو الحقوق، إلى استقبال وفد منهم بمقر العمالة.
وقد عبّر العامل خلال اللقاء عن تفهمه العميق للمشكل، مؤكداً عزمه الشخصي متابعة الملف حتى تحقيق حل منصف، مشددًا على أن مكتبه يظل مفتوحًا أمام جميع المواطنين. هذه المبادرة لقيت ترحيبًا مبدئيًا من قبل الحرفيين، لكنها لم تُبدد بعد مخاوفهم من المماطلة.
ارتباك داخل المجلس الجماعي واتهامات بـ”التعنت”
أحد أبرز أسباب احتقان الحرفيين تمثل في عدم وضوح موقف المجلس الجماعي من المشروع، حيث كشف بعضهم أن رئيس الجماعة لمح إلى عدم إمكانية تنفيذ المشروع حاليًا، في حين أدلى نائبه الثاني بتصريحات تناقض ذلك، ما خلق ارتباكًا واسعًا في صفوف المتتبعين والمعنيين.
ويزيد من استغراب المهنيين، أن وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني كانت قد صادقت على دعم المشروع بمبلغ 4 ملايين درهم، وهو ما اعتبروه دليلاً قاطعًا على وجود إرادة مركزية لإنجاز المشروع، في مقابل تعنت محلي غير مبرر.
قطاع حيوي يعاني التجاهل رغم دوره الاقتصادي
يشكل الحرفيون في مدينة آيت ملول ركيزة اقتصادية مهمة،إذ كشف مصدر للجريدة أن المعاملات اليومية لهذا القطاع تتجاوز 3 ملايير سنتيم، ما يطرح تساؤلات ملحّة حول سبب الإهمال الذي يطالهم، بدل دعمهم وتوفير ظروف العمل اللائق لهم.
صرخة من أجل الكرامة والتنمية
ما تعيشه شريحة الحرفيين في آيت ملول اليوم ليس مجرد خلاف تقني حول تخطيط عمراني، بل هو أزمة ثقة حقيقية بين فاعلين محليين ومهنيين يمثلون رافعة اقتصادية واجتماعية للمدينة. صرخة هؤلاء الحرفيين لا تعبر فقط عن مطلب مهني، بل عن رغبة صادقة في العيش الكريم، والعمل في بيئة تحفظ كرامتهم وتواكب طموحاتهم.
ويبقى أملهم معقودًا على تدخل ملكي سامٍ يعيد الاعتبار لهذا المشروع، ويؤكد أن التنمية لا تكتمل إلا حين تُنصف جميع الفئات، وخاصة تلك التي تبني الاقتصاد المحلي بعرق جبينها.