الشريط الساحلي لإقليم شفشاون: كنز اقتصادي مُهمل (شاطئ قاع أسراس نموذجًا)

مقدمة لا بد منها:

من اللافت للنظر أن يزخر إقليم شفشاون بثروة اقتصادية هائلة تتمثل في مخزون سمكي متنوع يمتد على طول شريط ساحلي يناهز 120 كيلومترًا، بدءًا من جماعة تزكان (قاع أسراس) وصولًا إلى جماعة متيوة (الجبهة). وبصفتي أحد المولعين بهذا الساحل الخلاب، وخاصة شاطئ “قاع أسراس” الذي أعتدت على التخييم فيه سنويًا منذ نعومة أظفاري، لطالما تمنيت أن أشهد تحسينات ملموسة تساهم في تنشيط السياحة وتعزيز الاقتصاد المحلي الموسمي. يتحقق ذلك من خلال توفير الخدمات الضرورية لضمان راحة وسلامة الزوار.

إن العديد من سكان إقليم شفشاون يطالبون بإلحاح بالاهتمام بشواطئ الإقليم وتنظيمها وتجهيزها بكافة المرافق اللازمة، فهي تُعدّ من المقومات السياحية الأساسية التي تعاني بشكل كبير من الإهمال، خاصة فيما يتعلق بالنظافة وحركة السير والجولان. ألا يستحق سكان إقليم شفشاون شواطئ تليق بهم وبمكانة منطقتهم؟

إن إهمال الشواطئ يُعدّ تعديًا صارخًا يمس أمن المجتمع ويُشكل تدميرًا للبيئة الساحلية. كما أنه يُلحق ضررًا بالاقتصاد المحلي والموارد الساحلية والبحرية، ويحرم الأجيال القادمة من التمتع بجمالها وتنوعها الأحيائي وثرواتها الإيكولوجية. لذا، يقع على عاتق المجالس الجماعية والسلطات المحلية والهيئات المعنية بحماية البيئة الساحلية واجب رصد جميع الأنشطة التي تهدد سلامة الشواطئ والسواحل لتجنب الآثار البيئية السلبية الناجمة عن هذا التقصير. ويُعتبر الحفاظ على النظافة وتخليص الشواطئ من النفايات مسؤولية أساسية تقع على عاتق الجماعات، وهي التزام يقابله حق هذه الأخيرة في استخلاص ضريبة النظافة. وأي إخلال بتدبير مرفق النظافة يرتب مسؤولية الجماعة عن الأضرار التي تلحق بالغير، وذلك طبقًا لمقتضيات المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي التي تنص على مسؤولية الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها.

ما إن تطأ أقدام المصطافين شاطئ “قاع أسراس”، خاصة القادمين من المدن الداخلية، حتى يتكون لديهم انطباع أولي سلبي عن وضع المنطقة برمّتها، وهو انطباع لا يليق بمكانة هذا المركز السياحي. فالفوضى والعشوائية تخيمان على المنطقة، بدءًا من الأسعار المرتفعة لإيجار الشقق التي تبدأ من 400 درهم لليلة الواحدة، وصولًا إلى النقطة السوداء المتمثلة في عشوائية أسعار المطاعم والمقاهي التي عمدت إلى رفع الأسعار بشكل غير مسبوق في ظل غياب الجودة والمراقبة. كل هذا يحدث في غياب تام للجماعة الترابية المعنية والسلطة المحلية المسؤولتين عن الاستعدادات اللازمة لموسم الاصطياف، بهدف ضمان قضاء الزوار لعطلة صيفية في المستوى المطلوب وتجنب تعرضهم للابتزاز والاستغلال من قبل بعض المستغلين، مما يُعجل برحيل العديد من الأسر نحو وجهات أخرى.

إن الشريط الساحلي لإقليم شفشاون، الذي يمثل ثروة سياحية وثقافية وترفيهية واقتصادية، بعيد كل البعد عن واقع الشواطئ في المدن السياحية المجاورة مثل تطوان وطنجة والحسيمة. فهو يُعتبر خيارًا ثانويًا أو ثالثًا، أو حتى غير مطروح أصلًا، ولا يدخل ضمن أي استراتيجية لجذب المصطافين والسياح. شواطئ متروكة ومهملة لا تحظى بإشراف منظم من المجالس الجماعية، والعديد منها متروك بلا رقابة ليصبح مرتعًا للمجاري والنفايات أو مستغلًا من قبل أفراد بغير وجه حق. وتمثل النفايات التي تلوث شواطئ إقليم شفشاون أحد أبرز مظاهر التعدي على البيئة، ويُعدّ انتشار القمامة على طول هذا الشريط الساحلي دليلًا واضحًا على الإهمال والفساد البيئي الذي يمكن ملاحظته في العديد من المواقع. هذا الوضع يساهم في جعل العديد من تلك الشواطئ غير صالحة للاستخدام في أغراض الترويج الاقتصادي للمنطقة.

صحيح أن أصابع الاتهام بإهمال الشواطئ يجب ألا تقتصر على المجالس الجماعية وحدها، بل تمتد لتشمل جميع أفراد المجتمع (المجتمع المدني) للمساهمة في وقف التعدي على الشواطئ والحد منه. يمكن تحقيق ذلك من خلال المشاركة في برامج توعية رواد الشواطئ بإجراءات الحفاظ على سلامة البيئة الساحلية، ولم لا فتح ورش عمل تشاركي مع المجلس الجماعي المعني في حملات تنظيف الشواطئ لتعزيز الحس بالمسؤولية البيئية لدى المواطنين، خاصة في صفوف المصطافين الوافدين على شاطئ “قاع أسراس”، وتوعيتهم بضرورة الحفاظ على نظافة الشاطئ.

عبد الإله شفيشو / فاس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى