
المغرب شأنه شأن العديد من الدول يحتفل بهذا العيد ويعتبره يوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر لكن لا أدري عن أي عيد يتحدثون وأي إحتفال يحتفلون وأي عامل من حقه الإحتفال به بل هي مجرد مشاهد تمثيلية على شاشاتنا لا تعكس أبدا ما يعيشه العامل في وطنه، تجول أسئلة عديدة متضاربة فيما بينها تعكس واقع العامل وعن فائدة العيد في يوم واحد وباقي الأيام شقاء فلا أرى أنه يليق في بلدي الإحتفال بهذا العيد فالعامل عيده الحقيقي والأكبر هو أن توفر له الدولة المغربية حقوقه وأن تستمع لمطالبه وأن يحظى بحياة تليق به كإنسان أولا ثم كعامل يساهم في تنمية بلده وتطوره وهذا إلا إذا كان مستمتعا بعمله إذ يقول ”أرسطو” عن هذا الأخير:(الاستمتاع بالعمل يضفي عليه المثالية)، فهل ستنتظر الطبقة العاملة بالمغرب نقابات الكهف هذه كي تستيقظ في كل عام يوم واحد بعد أن تم شراء صمت أغلبها فأصبح العامل كاليتيم في مأدبة اللئام؟.
كنت أود تهنئة العمال في وطني بـالعيد العالمي للعمال لكنني وفي أخر لحظة تراجعت عن تقديم التهنئة لا لأنني أكره العمال بل العكس محبة فيهم ورأفة بحالهم ولا أريد المساهمة في خداع هذه الطبقة وإستغلالها التي ينهض الوطن بفضل عملهم وذلك لعدة أسباب أهمها أن العيد يأتي بعد مجهود قدمه العامل طيلة العام والذي يمكنه جني ثماره في أخر المطاف، لكن حدثوني عن ماذا كسب العامل المغربي البسيط بعد كده وتضحياته منذ إستقلال البلاد إلى اليوم؟، إنها خيبات متتاليات وتراجع مستمر عن الحقوق والمكتسبات لقد تمت سرقة صناديق تقاعد العمال التي ساهموا فيها بعرق الجبين وتم هضم حقوقهم في البر والبحر ناهيك عن الطرد التعسفي وسن قوانين تحد من حرية العمل النقابي فكلما أعلنت الحكومة عن مشروع (إصلاح) لقطاع معين إلا وحدث العكس تماما حيث التخريب والتراجع عن كل مكتسبات العمال.
لهذا السبب وغيره كثير أعتقد أن الإحتفال بعيد العمال هو مجرد ضحك على الذقون وهو بالمفهوم المغربي (الطنز العكري) وإحتقار لعقول العمال وفهمهم لكن هناك فئة إذا إحتفلت يجوز لها ذلك بل يجب عليهم الإحتفال و إظهار نعمة وبركة العمل النقابي وكذلك إظهار فضل أصحاب الحال عليهم إنهم بعض القادة النقابيين المرضي عنهم من طرف الدولة والذين إستفادوا من سخاءها وكرمها وبذلك إنتقلوا ضمنيا إلى صف الخصوم التاريخيين للعمال أي الپاطرونا، لقد زار صحفي فرنسي المغرب وذلك في عهد حكومة “عبدالرحمن اليوسفي” حيث أراد إنجاز بحث حول الحياة السياسية المغربية وبحكم صداقته مع أحد قادة أحزاب المعارضة دعاه هذا الأخير إلى المبيت عنده في إقامته وفي الغد وبعدما شاهد فخامة السكن وكذا رغد عيش حكى هذا الصحفي كلام لخص به أحد أهم أسباب تدهور العمل النقابي والسياسي بالمغرب حيث قال: (إذا كان قادة أحزاب المعارضة يتمتعون بهذا المستوى البرجوازي من العيش الرغيد، فما بالك بمستوى عيش قادة أحزاب الأغلبية التي تدعم وتساند الحكومة..!!).
إن إحتفالات فاتح ماي في وطني أصبح نشاط رسمي بإمتياز حيث تحضرها شخصيات رسمية وزراء وپاطرونا ويغطيها الإعلام الرسمي من بعد ما أصبح لكل حزب نقابة أو لكل نقابة حزب وبذلك ضاعت حقوق العمال وتمزق شملهم ووحدتهم فلقد عملت الدولة المغربية بشكل خبيث وممنهج منذ زمن لتدمير العمل النقابي وذلك بتقديم رشاوي مبطنة لبعض قادة النقابات في شكل إمتيازات كثيرة وإكراميات سخية هذا طبعا دون تعميم فهناك نقابيون شرفاء، لكن ومع ذلك يجب إستخلاص العبر فكم من فاتح ماي مضى منذ إستقلال البلاد إلى اليوم فهل تغير حال العمال في الماضي أو سيتغير في المستقبل؟، الجواب مع الأسف لا بل أوضاع العمال المادية والمعنوية ازدادت تأزما والسبب هو توقيع بعض النقابات ميثاق السلم الإجتماعي سرا و الذي يعني منح هدنة نقابية لمصاصي دماء الشعب كي يمتصوا دماءه قطرة فقطرة، لهذا المطلوب من العمال مقاطعة إحتفالات فاتح ماي وعدم المشاركة في هذه المسرحية السخيفة والسيئة الإخراج وهو إحتجاج راقي يعبر عن مدى وعيه ويقظته لأن المشاركة تعني تزكية واقع نقابي مزيف والمساهمة في تغييب وعي نقابي عمالي حقيقي.
عبد الإله شفيشو / فاس