إلى متى يستمر “النهب الاجتماعي”؟ عمال الفلاحة يطالبون بالعدالة

جدد نقابيون وعمال ينتمون للقطاع الفلاحي مطالبتهم الحكومة المغربية بالوفاء بتعهداتها وتطبيق كافة الاتفاقات الاجتماعية الموقعة سابقًا، مؤكدين على ضرورة تذويب الفوارق الشاسعة بين الحد الأدنى للأجور في القطاع الصناعي ونظيره في القطاع الفلاحي بحلول عام 2028.

وقد تم تسليط الضوء على هذه المطالب الملحة خلال ندوة صحفية عقدت اليوم الاثنين في العاصمة الرباط، حيث كشفت الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل عن تفاصيل مراسلة حديثة وجهتها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وتضمنت المراسلة تشديدًا على “ضرورة إنصاف عمال القطاع الفلاحي الذين يعملون بشكل استثنائي حوالي 48 ساعة أسبوعيًا، في مقابل 44 ساعة عمل لباقي العمال في القطاعات الأخرى”.

كما لم تغفل المراسلة التعبير عن استياء النقابيين والعمال من “عدم تمتع العمال الفلاحيين بالحماية التي يضمنها القرار الوزاري رقم 08.93 لسنة 2008، المتعلق بتطبيق مبادئ السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل”.

وفي سياق متصل، أشارت المراسلة إلى “هزالة الحد الأدنى للأجور وتفشي ظاهرة التشغيل المؤقت وتملص أرباب العمل من التصريح بالعمال الزراعيين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما يحرم مئات الآلاف من العاملين في القطاع من الحماية الاجتماعية”. وأوضحت أن “معاش التقاعد المتدني لهذه الفئة لا يتجاوز 896 درهمًا شهريًا”.

وخلال الندوة، أكد المتدخلون من النقابيين ومندوبي الأجراء على أن “الوضع الاقتصادي للمقاولات الزراعية جيد ومريح، تزامنًا مع ارتفاع القيمة المضافة للقطاع من 80 مليار درهم إلى 120 مليار درهم سنويًا”. واستدلوا على ذلك بـ “الأرباح القياسية التي تحققها الباطرونا الزراعية من تصدير الخضراوات والفواكه إلى أوروبا تحديدًا، دون أن ينعكس ذلك إيجابًا على وضعية العمال”.

وعبّر المتحدثون عن قلقهم إزاء “استمرار التفاوت الكبير في الأجور بين القطاع الفلاحي وباقي القطاعات”، محذرين من أن “إلغاء اتفاقات سابقة يثير مخاوف من أن يلقى الاتفاق الموقع في أبريل 2022 المصير نفسه”.

وقد استعرض مندوبو الأجراء الزراعيين من مختلف المناطق، بما فيها جهة سوس ماسة، جملة من الشكاوى التي تلامس واقعهم اليومي داخل الضيعات ومراكز تلفيف الخضر والفواكه. وشملت هذه الشكاوى “تدني الأجور وعدم احتساب الساعات الإضافية، بالإضافة إلى التضييق على الحريات النقابية وتدخل وسطاء الشغل ونقص حاد في عدد مفتشي الشغل، مما يفاقم من حالات الطرد التعسفي”.

من جهته، أكد بدر عريش، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، على أن “الوضعية الصعبة التي يعيشها أكثر من مليون عامل زراعي في المغرب تستدعي ضرورة الترافع الإعلامي والقانوني والحقوقي للدفاع عن حقوقهم، باعتبارهم الفئة الوحيدة التي تعمل ما يصل إلى 48 ساعة في الأسبوع”.

وعبّر عريش عن رفضه القاطع لـ “التمييز في الأجور، الذي يعتبر أخطر أشكال التمييز والقهر الاجتماعي الذي تعاني منه هذه الشريحة الواسعة من الطبقة العاملة”، مطالبًا بـ “تنفيذ الاتفاق على المساواة التدريجية بين الحد الأدنى للأجور في القطاعين الفلاحي والصناعي بحلول عام 2028”. كما أشار إلى “أن جهة سوس ماسة لوحدها تضم حوالي 6 مناديب أجراء مسؤولين عن حوالي 120 ألف عامل زراعي، وهو عدد ضئيل جدًا لا يفي بحاجة القطاع”.

وشدد أيضًا على ضرورة “دعم وتطهير جهاز تفتيش الشغل وتقريب إدارة الشغل من التجمعات العمالية، والزيادة في المعاشات وفي الحد الأدنى للمعاش وتعديل المرسوم المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل”، محذرًا الحكومة من “آفة عقود الشغل محددة المدة وهيمنة شركات التشغيل المؤقت والسمسرة في العمال”.

وفي سياق مماثل، كانت مداخلة إدريس عدة، نائب الكاتب العام للجامعة، أكثر صراحة، حيث حاول إبراز ما وصفه بـ “المفارقة الصارخة بين الأرباح الكبيرة التي تحققها المقاولات الزراعية من تصدير المنتجات والظروف الهشة التي يعيشها العمال”. وأضاف: “المقاولات التي تستقبل بفرح اقتناء طن المياه المحلاة بأكثر من 5 دراهم، نظرًا للعائدات المتوقعة من التصدير، يجب أن تنعكس هذه الأرباح على أجور وظروف عمل العمال”.

كما لفت الانتباه إلى أن “العامل الفلاحي ينتج جيدًا ويعمل طوال السنة بأجر زهيد يجعله دائمًا تحت عتبة الفقر، بينما تبقى المقاولات فوق عتبة الإنتاج والأرباح”. وأعرب عن أمله في تجاوز هذا الوضع بحلول عام 2028، مشيرًا إلى أن “قيمة الأجر الحالي لا تكفي لتلبية متطلبات العيش الكريم”.

وأكد على أن “هؤلاء العمال الزراعيين الذين يفوق عددهم مليون عامل في المغرب، لا يستفيدون حتى من 30 درهمًا يوميًا، أي أنهم يفوتون على أنفسهم 30 مليون درهم يوميًا كمجموع أجور، وهو ما يعتبر نهبًا اجتماعيًا لهذه الفئة”.

وقد تخللت الندوة شهادات مؤثرة لعدد من العمال الفلاحيين الذين تحدثوا عن “مشاكل التمييز في الأجور وطول ساعات العمل وتواطؤ الوسطاء مع المشغلين، بالإضافة إلى منع تشغيل العمال الذين شاركوا في احتجاجات سابقة، كما حدث في اشتوكة آيت باها بجهة سوس ماسة”. وتؤكد هذه الشهادات على الحاجة الملحة لتدخل جاد من الحكومة لإنصاف هذه الشريحة الهامة من المجتمع المغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى