صراعات داخلية تعصف بحزب التجمع الوطني للأحرار في اشتوكة آيت باها خلال لقاء تنموي بحضور بايتاس

رغم الطابع التنموي للقاء التواصلي الذي نظمه حزب التجمع الوطني للأحرار بجماعة ماسة، والذي حضره الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس ورئيس جهة سوس ماسة كريم أشنڭلي، إلى جانب عدد من الشخصيات المنتخبة بالإقليم، فإن مجرياته كشفت عن صراعات داخلية محتدمة داخل الحزب، أطلت برأسها في لحظات حرجة، وهددت بتقويض صورة الانسجام المفترض بين مكوناته التنظيمية.

خلافات تنفجر على مرأى من الجميع
اللقاء، الذي كان يفترض أن يشكل محطة لتشخيص واقع التنمية بإقليم اشتوكة آيت باها وتعزيز التوافق حول الأولويات الملحة، انقلب إلى ساحة لتصفية حسابات داخلية، حين انفجر خلاف علني بين رئيس جماعة آيت باها، محمد اليربوعي، والوزير مصطفى بايتاس.
ففي مشهد غير معتاد في اللقاءات الحزبية، واجه اليربوعي الوزير بلهجة عتاب شديدة، متسائلاً عن سبب تجاهله المستمر له، وعدم رده على مكالماته، رغم كونه منسق الحزب بالدائرة الجبلية. رد بايتاس كان مباشراً وصادماً، حين أكد أن “سعيد كرم هو المخاطب الوحيد في الجهة، ومن يحتاجني فليتصل به”، وهو تصريح أثار استغراب وامتعاض الحاضرين، وفتح الباب أمام تساؤلات حول آليات التواصل داخل الحزب ومكانة ممثليه المحليين.

الإقصاء المتكرر يثير غضب القواعد
الأجواء المتوترة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تزايد الغضب بعد تسجيل تغييب منتخبين عن جماعة تيزي نتكوشت ينتمون لحزب التجمع الوطني للأحرار، رغم توجيه الدعوة لمنتخبي الحزب من جميع الجماعات الأخرى.
واعتبر المتضررون أن الأمر لا يمكن أن يكون صدفة، بل يندرج ضمن سلسلة من محطات الإقصاء التي تعرض لها مناضلو الحزب بنفس الجماعة، رغم مساهماتهم البارزة في الاستحقاقات الانتخابية. وقد عبر عدد من الحاضرين عن استغرابهم من استمرار هذا النهج، الذي يهدد وحدة الصف الداخلي ويزرع الشكوك في مصداقية الخطاب التنظيمي.

التنازع على الصلاحيات… هل الوزير أم العامل؟
أحد مشاهد التوتر التي طبعت اللقاء كان حين استجدى رئيس جماعة سيدي عبد الله البوشواري، المنتمي بدوره لحزب الأحرار، تدخل الوزير بايتاس لربط جماعته بمحطة تحلية مياه البحر.
لكن رئيس الجهة كريم أشنڭلي تدخّل بنبرة حازمة ليؤكد أن عامل الإقليم يشتغل بجدية على هذا الملف، وهو ما يُغني عن أي وساطة حزبية. هذا الموقف أعاد طرح إشكالية التداخل بين المهام الحزبية والصلاحيات الإدارية، وأثار تساؤلات حول حدود أدوار الفاعلين السياسيين في ظل وجود سلطة ترابية تشتغل على الملفات الحيوية.

وحدة الحزب على المحك
ما كان يُفترض أن يكون لحظة تعبئة وتنظيم داخلي لحزب يقود الحكومة، تحوّل إلى مناسبة كشفت عن تصدعات بنيوية في الجسم التنظيمي للتجمع الوطني للأحرار بإقليم اشتوكة آيت باها.
فبين من يعتبر نفسه مهمشاً، ومن يتحدث باسم الجهة دون تنسيق مع باقي المنتخبين، وبين من يسعى للوساطة عبر القنوات السياسية بدل الاعتماد على المساطر الإدارية، يجد الحزب نفسه أمام معادلة صعبة: إما رأب الصدع الداخلي وتوحيد الخطاب، أو المخاطرة بخسارة جزء من قاعدته الانتخابية التي صنعت انتصاراته الأخيرة.

في خلفية التوتر: دينامية تنموية يقودها العامل
رغم حدة الصراعات الداخلية، لا يمكن إغفال السياق العام الذي جاء فيه هذا اللقاء، إذ يشهد إقليم اشتوكة آيت باها دينامية غير مسبوقة منذ تعيين العامل محمد سالم الصبتي على رأس الإقليم أواخر ماي 2025.
وقد كشفت اللقاءات التواصلية التي عقدها مع رؤساء الجماعات عن حجم الخصاص في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، خاصة في قطاعات الماء والصحة والطرق والبيئة. ووسط هذا المشهد، يبدو أن العامل يقود مقاربة هادئة وفعالة، عكس ما أظهرته السجالات السياسية من ارتباك داخل بعض مكونات الحزب.

هل ينجح الأحرار في تجاوز أزمته المحلية؟
أسئلة كثيرة باتت تطرح داخل أوساط المتتبعين للشأن المحلي، حول قدرة حزب التجمع الوطني للأحرار على تجاوز هذه الصراعات وتوحيد صفوفه بإقليم استراتيجي كاشتوكة آيت باها.
ففي الوقت الذي تستعد فيه مؤسسات الدولة لإطلاق مشاريع مهيكلة بالمنطقة، سيكون من الضروري توفر جبهة سياسية موحدة، تمتلك الحد الأدنى من الانسجام لتواكب هذا التحول، وتضمن عدالة مجالية حقيقية للمواطنين.

إلا أن المؤشرات الحالية تُظهر أن الحزب مطالب بإعادة ترتيب بيته الداخلي، وتدبير الخلافات بشفافية ومسؤولية، حتى لا تتحول المزايدات السياسية إلى عائق حقيقي أمام تنمية لا تحتمل المزيد من التباطؤ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى