
لم يعد الجيل الحالي مجرد امتداد لمن سبقوه، بل صار كيانًا منفصلًا، يعيش في عالم افتراضي يستهلكه أكثر مما يستهلكه الواقع. شبابٌ تائه بين هوس الماديات وانبهار بالغرب دون مرجعية، يبحث عن النجاح في ماركات الملابس، وقوة الشخصية في آخر إصدار للهاتف، والمكانة الاجتماعية في سيارة فاخرة أو منزل فاخر.
من جيل القادة إلى جيل “الإنفلونسرز”
في الماضي، كان الشباب وقود الأمة، يقودون التغيير، يثورون من أجل القيم، ويطمحون إلى مجدٍ فكري وعلمي. أما اليوم، فقد أصبح “الترند” هو المحرك الأساسي للعقول، والانبهار بالغرب أعمى البصيرة عن جوهر التقدم الحقيقي. لم نعد نناقش كيف نبني حضارة، بل كيف نحصل على أكبر عدد من المتابعين، وكيف نجذب انتباه العالم بأزياء غريبة وسلوكيات مستوردة.
المؤلم في الأمر ليس فقط السقوط في فخ التفاهة، بل الترويج لها وكأنها قمة الإنجاز. أصبح التقليد هو القاعدة، والأصالة استثناء نادر. هويتنا، التي بُنيت بدماء الأجداد وجهود المفكرين والعلماء، تُستبدل اليوم بثقافة فارغة، لا تنتمي لنا، ولا تنتمي حتى لأصحابها الأصليين، بل هي مجرد استهلاك بلا وعي.
النجاح المزيف: سيارة ومنزل ورصيد في البنك
لم يعد الحلم مرتبطًا بالمعرفة أو الإبداع، بل بالقدرة على شراء أشياء لا نحتاجها لإرضاء مجتمع غارق في الأحكام السطحية. الشاب اليوم لا يسأل: كيف أكون قوي الفكر والشخصية؟ بل: كيف أظهر ناجحًا؟ النجاح أصبح مجرد صورة على إنستغرام، وليس تجربة حياتية تُصقل بالاجتهاد.
نحن لا نرفض امتلاك المال أو تحقيق الاستقرار، بل نرفض أن يكون ذلك هو مقياس النجاح الوحيد. فماذا يفيدك امتلاك سيارة فاخرة وعقل فارغ؟ كيف تُبهر الناس بمنزلك بينما داخلك خاوٍ؟ قوة الأمم في أفكارها، في وعيها، في عمق ثقافتها، لا في ماركات ملابسها وسيارات قادتها.
القوة في الهوية.. لا في الاقتباس الأعمى
الغرب الذي ينبهر به شبابنا لم يتقدم بتقليد غيره، بل بالتمسك بهويته وثقافته وقيمه، بينما نحن نُفرّط في إرثنا مقابل صورة زائفة عن “الحضارة”. القوة ليست في اتباع الآخرين، بل في القدرة على بناء مسارنا الخاص، دون أن نفقد هويتنا في الطريق.
الأمم التي تنسى جذورها تصبح بلا ملامح، بلا قضية، وبلا مستقبل. من يبيع مبادئه ليشتري “ستايل” غربي، لن يكون إلا نسخة باهتة بلا قيمة.
إعادة ضبط البوصلة
ما نحتاجه ليس ثورة على الماديات، بل ثورة على طريقة التفكير. المال ليس عدوًا، لكن العبودية له هي العدو الحقيقي. النجاح ليس في امتلاك الأشياء، بل في امتلاك الوعي. المستقبل لن يُصنع بشباب يطارد “الترند”، بل بشباب يطارد المعرفة، يصنع المحتوى بدل أن يستهلكه، يبني نفسه بدل أن ينسخ غيره.
بقلم الكاتب الاعلامي والناشط المجتمعي عبد المجيد الإدريسي
لقد وصلنا إلى الحدّ الذي لا يُطاق.. لكن هل سنواصل السقوط، أم سنُعيد ضبط البوصلة قبل فوات الأوان؟