يشهد المشهد الإعلامي في المغرب تطورات متسارعة، حيث تعددت المنابر الإعلامية بين الصحافة الورقية والإلكترونية والإذاعة والتلفزيون، مما وفر تنوعًا في المصادر الإخبارية. غير أن هذا التنوع لم يخلُ من تحديات جوهرية تهدد مصداقية الإعلام واستقلاليته، بدءًا من الضغوط الرقابية والأزمات المالية، مرورًا بضعف التكوين المهني، وصولًا إلى ظاهرة جديدة تتمثل في لجوء بعض المسؤولين والمنتخبين إلى المؤثرين الرقميين على مواقع التواصل الاجتماعي بدل الاعتماد على الصحافة المهنية.
التعددية الإعلامية والتحول الرقمي
أدى التحول الرقمي إلى إحداث طفرة في الإعلام المغربي، حيث تفوقت الصحافة الإلكترونية على نظيرتها الورقية التي تعاني من تراجع في الإقبال وانخفاض في المداخيل الإعلانية. كما باتت المنصات الرقمية المصدر الرئيسي للأخبار، مما أتاح للمتلقي خيارات واسعة لمتابعة المستجدات. ورغم أن هذا التنوع يمنح حرية أكبر في الوصول إلى المعلومات، إلا أنه يفتح أيضًا الباب أمام ظواهر سلبية مثل انتشار الأخبار الزائفة وضعف جودة المحتوى.
حرية التعبير في ظل القيود المفروضة
رغم توفر هامش من حرية التعبير في المغرب، إلا أن هناك خطوطًا حمراء تجعل الصحفيين يتعاملون بحذر مع بعض القضايا الحساسة. فكثير من الصحفيين يجدون أنفسهم تحت تهديد المتابعات القانونية أو الضغوط السياسية عند محاولتهم معالجة مواضيع ذات طبيعة حساسة، مما يحد من الدور الرقابي للإعلام ويؤثر على وظيفته الأساسية في كشف الحقائق.
التحديات التي تواجه الإعلام المغربي
الرقابة والضغوط: رغم الانفتاح النسبي، لا يزال الصحفيون يواجهون قيودًا عند تناول قضايا سياسية أو اقتصادية حساسة، مما يعيق دورهم في إيصال المعلومات للجمهور بموضوعية واستقلالية.
الأزمة المالية: تعاني العديد من المؤسسات الإعلامية، خاصة الصحافة الورقية، من أزمات مالية حادة بسبب تراجع الإعلانات وانخفاض المبيعات، مما يؤثر على استمرارية عملها ويجعل بعض المنابر عرضة للضغوط المالية التي قد تهدد استقلاليتها التحريرية.
تفشي الأخبار الزائفة: أدى الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تضاعف الأخبار المغلوطة، مما يزيد من صعوبة التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة.
ضعف جودة المحتوى: تعاني بعض المنابر الإعلامية من نقص في التكوين الصحفي، ما يؤدي إلى إنتاج محتوى ضعيف يغلب عليه الطابع الإثاري بدلاً من التحليل العميق والتحقيقات الجادة.
التمييز بين الصحفيين: يشتكي بعض الإعلاميين من التمييز في التعامل من طرف الإدارات والمسؤولين، حيث يتم استدعاؤهم لتغطية الأنشطة الرسمية عند الحاجة، لكنهم يجدون أنفسهم مهمشين أو محاربين عند مطالبتهم بحقوقهم المهنية.
تصاعد دور المؤثرين على حساب الصحفيين
مع تراجع الثقة في الإعلام التقليدي، لجأ العديد من المسؤولين والمنتخبين إلى المؤثرين الرقميين على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج إنجازاتهم والتواصل مع الجمهور. يتم الاعتماد على هؤلاء المؤثرين، الذين غالبًا ما يفتقرون إلى التكوين الصحفي، لنشر محتويات دعائية بدلاً من تقديم تغطية موضوعية للأحداث.
هذه الظاهرة أدت إلى تهميش الصحفيين المهنيين، حيث أصبح بعض المسؤولين يتجاهلون الإعلاميين الحقيقيين، الذين يخضعون لقواعد أخلاقية صارمة، ويختارون التعامل مع مؤثرين قد لا يلتزمون بالحياد أو الموضوعية. كما أن هذا التوجه يسهم في نشر محتوى غير موثوق، إذ يعتمد بعض هؤلاء المؤثرين على الإثارة والتضليل لجذب المتابعين دون مراعاة المسؤولية المهنية.
نحو إصلاح شامل للإعلام المغربي
لمواجهة هذه التحديات، ينبغي اتخاذ خطوات إصلاحية لضمان إعلام مهني ومستقل، ومنها:
تعزيز حرية التعبير عبر توفير بيئة آمنة للصحفيين لممارسة عملهم دون خوف من الملاحقات القانونية أو الضغوط السياسية.
دعم المؤسسات الإعلامية ماليًا لضمان استقلاليتها وتفادي تأثير التمويل المشبوه على خطها التحريري.
تنظيم قطاع الصحافة الرقمية من خلال وضع معايير واضحة لمكافحة الأخبار الزائفة وضمان التزام الصحافة الإلكترونية بالمهنية.
مراجعة معايير منح البطاقة المهنية لضمان أن يحصل عليها الصحفيون المؤهلون فقط، بما يعزز مصداقية المهنة.
التصدي لظاهرة استبدال الإعلاميين بالمؤثرين من خلال تعزيز دور الإعلام المهني وتشجيع المحتوى الاستقصائي الهادف.
يواجه الإعلام المغربي تحديات كبرى تتطلب إصلاحات جذرية لضمان استقلاليته ومهنيته. فبين الرقابة، الأزمات المالية، انتشار الأخبار الزائفة، وضعف التكوين، يجد الصحفيون أنفسهم أمام واقع صعب يعزز من صعود المؤثرين كبديل عن الإعلام المهني. لذا، فإن تعزيز دور الصحافة الحقيقية يبقى السبيل الوحيد لحماية حق المواطنين في الحصول على أخبار موثوقة وذات مصداقية.