صفقة تهيئة شوارع إنزكان: وعود على الورق وواقع متهالك

في مشهد أثار استغراب واستياء سكان مدينة إنزكان، سقطت شاحنة كبيرة في حفرة عميقة تشكلت فجأة في شارع يبدو أنه جزء من مشروع تهيئة حضرية قيد التنفيذ. الحادثة، التي وثقتها صور منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تضع علامات استفهام كبيرة حول جودة الأشغال المنفذة، وتلقي بظلالها على صفقة عمومية ضخمة كانت جماعة إنزكان قد أبرمتها مؤخراً.

وحسب الوثائق التي حصلنا عليها، فإن جماعة إنزكان قد أطلقت صفقة متعلقة بـ “أشغال التهيئة الحضرية بمدينة إنزكان” والتي تشمل ثلاثة شوارع رئيسية: شارع محمد الخامس، وشارع التضامن، وشارع مولاي علي الشريف. وهي الشوارع التي تشكل محوراً حيوياً في المدينة.

الصفقة، التي تمت عبر طلب عروض مفتوح، حددت بوضوح شروطاً صارمة لضمان جودة التنفيذ. فالمادة 19 من دفتر التحملات الخاصة تنص صراحة على أنه “يشترط رسمياً أن المقاول يعتبر على دراية تامة بطبيعة وشروط وصعوبات تنفيذ الأشغال” وأن الأسعار التي يحددها يجب أن تتوافق مع “أشغال في حالة ممتازة من الانتهاء”.

لكن ما حدث يوم أمس، بسقوط شاحنة في حفرة وسط الطريق، يبدو أنه يتناقض بشكل صارخ مع هذه الشروط. فالحادث يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام المقاول المكلف بالصفقة للمعايير الفنية والتقنية المحددة في الوثيقة التعاقدية. هل يعود السبب إلى سوء التنفيذ؟ أم إلى استخدام مواد غير مطابقة للمعايير؟ وهل كانت هناك رقابة كافية على سير الأشغال؟

الصفقة تشير في المادة 4 إلى أن “صاحب المشروع” (جماعة إنزكان) يجب أن يحدد ممثلاً مسؤولاً عن متابعة تنفيذ الصفقة. هذا الممثل، أو “المهندس المعماري” المذكور في الوثيقة، يتحمل مسؤولية ضمان أن العمل المنجز يطابق “جميع قواعد الفن ومتطلبات الصفقة”، وهو ما ورد في المادة 19.

إذا ما ثبت أن سبب الحادث هو وجود عيوب في الأشغال، فإن الصفقة توفر آليات واضحة لمعالجة الأمر. فالمادة 15 تحدد غرامات التأخير، لكن الأهم من ذلك، فإن عدم مطابقة الأشغال للمواصفات قد يفتح الباب أمام إجراءات أكثر صرامة تصل إلى المطالبة بإصلاح الأضرار على نفقة المقاول، أو حتى فسخ العقد.

هذه الواقعة ليست مجرد حادث عرضي، بل هي اختبار حقيقي لمدى فعالية الرقابة على المشاريع العمومية في المغرب. فملايين الدراهم تنفق على هذه الأشغال، ويتوقع المواطن أن تكون الطرق والبنية التحتية التي يتم بناؤها متينة وآمنة. الحادث يضع المسؤولين في جماعة إنزكان أمام مسؤولية مباشرة للتحقيق في الأسباب، ومحاسبة كل من يثبت تقصيره، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث التي لا تهدد سلامة المواطنين فقط، بل تهدر أيضاً المال العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى