التعليم في المغرب: تذيل المؤشرات وسوء التدبير السياسي

لا يزال المغرب يُصدم بتصنيفات دولية تفضح عيوب سياساته التعليمية، وآخرها تقرير يصنفه في المرتبة 78 من أصل 81 دولة في مؤشر مُلاءمة التعليم مع سوق الشغل. هذا التقييم ليس مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لعقود من السياسات العشوائية التي جعلت من التعليم قطاعًا للتجارب الفاشلة والمصالح الضيقة.

ما الذي ينتظره الشعب المغربي من منظومة تعليمية تُدار بمنطق الفساد والمحسوبية؟ سنوات من الإصلاحات الشكلية والمخططات الفارغة مثل “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” و”الرؤية الاستراتيجية 2030″ لم تنتج إلا مزيدًا من البطالة، الإحباط، وهجرة الكفاءات.

السياسيون وأزمة المسؤولية
السياسيون المغاربة، أولئك الذين يُفترض بهم أن يديروا دفة التعليم نحو الأفضل، يتحولون إلى تجار شعارات ومشاريع موسمية لا تمت بصلة لواقع السوق واحتياجات الشباب. وزراء تعاقبوا على القطاع دون رؤية واضحة، وكل ما نجحوا فيه هو إغراق التعليم في دوامة من الفشل والتدهور.

كيف يمكن لدولة تراهن على “النموذج التنموي الجديد” أن تحتل المرتبة 78 من أصل 81 في مؤشر يُفترض أنه يعكس مدى تأهيل الشباب لفرص العمل؟ أليس هذا تناقضًا صارخًا؟ بينما الدول المتقدمة تستثمر في الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة، نجد المغرب ما زال عالقًا في نظام تعليمي متآكل يعجز حتى عن تأهيل أبنائه لفرص عمل محلية.

الشباب بين المطرقة والسندان
في النهاية، من يدفع الثمن؟ الشباب. الذين يجدون أنفسهم بين سندان بطالة قياسية ومطرقة واقع تعليمي لا يؤهلهم سوى للانضمام إلى طوابير العاطلين. هؤلاء الشباب الذين يلجؤون إما للهجرة القسرية أو الانخراط في مهن لا تناسب كفاءاتهم، بينما يظل الساسة منشغلين بتوزيع المناصب والاستفادة من الريع.

المحاسبة والتغيير الجذري
على المغاربة أن يدركوا أن هذا الواقع لن يتغير إلا بالمطالبة بمحاسبة حقيقية للسياسيين، ووضع حد للفساد الذي ينخر هذا القطاع. التعليم ليس سلعة للبيع ولا مجالاً للتجارب الفاشلة، بل ركيزة أساسية لأي تنمية حقيقية.

المرتبة 78 في مؤشر مُلاءمة التعليم مع سوق الشغل ليست مجرد رقم، بل صرخة تحذير بأن استمرار هذا العبث سيقودنا إلى تدمير ما تبقى من أمل لدى الأجيال الصاعدة. إذا استمر هذا الوضع، فلن تكون المفاجأة أن نرى المغرب يتراجع أكثر فأكثر في كل المؤشرات، ليس فقط التعليم، بل كل القطاعات الحيوية.

بقلم :الكاتب الاعلامي والناشط المجتمعي عبد المجيد الادريسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى