رئيس في الميزان الحلقة 15: اقتصاد السخرية.. عندما تُصبح الفتات أساسًا لإنقاذ السفينة!

تخيلوا المشهد التالي: مسؤول براتب سبعة ملايين شهريًا يجلس بكل وقار وأناقة على كرسي مريح في قاعة مكيفة، يتناقش بجدية مع مسؤول آخر لا يقل عنه دخلًا، ليقنعا موظفًا بسيطًا بالكاد يكسب 2500 درهم شهريًا بأن اقتطاع جزء من أجرته الهزيلة هو الحل السحري لإنقاذ البلاد!

مشهد لا ينقصه سوى موسيقى درامية ليكتمل، وكأن المواطن البسيط هو القشة التي ستُنقذ السفينة من الغرق. أما المسؤولان، فرغم رواتبهما الضخمة، يبدو أنهما من “الفئات الهشة” التي لا تتحمل الاقتطاعات لأنها مشغولة ب”التفكير” في حلول عظيمة لصالح الوطن.

يا له من توازن اقتصادي مُبهر! لنُلقِ بثقل الأزمة على من يملكون القليل، فهم الأكثر “مرونة” لتحمل الضغوط، بينما نُبقي على رفاهية أولئك الذين يملكون الكثرة لأنهم بالطبع “مفكرون استراتيجيون” ولا يجب أن ينشغلوا بمتاعب الحياة اليومية.

وبينما تُقام الاجتماعات الطويلة وتُتخذ القرارات المصيرية، يقف المواطن المسكين مذهولًا أمام معادلة اقتصادية غريبة: كيف يُطلب منه أن يُنقذ البلاد وهو بالكاد يستطيع إنقاذ نفسه من فاتورة الكهرباء أو إيجار البيت؟ يبدو أن “الإنقاذ” أصبح مهمة المواطن وحده، بينما تُترك الامتيازات والرفاهية على حالها لمن يُلقون عليه الخطابات الرنانة.

ربما كان من الأفضل أن يُطلب من المواطن أن يدفع ثمن كوب القهوة الفاخرة الذي يحتسيه المسؤولون أثناء اجتماعاتهم، لأنه في النهاية جزء من “جهود الإنقاذ”. أو ربما يُمكن إدراج بند جديد في الفواتير: “ضريبة التفكير العميق” لدعم المسؤولين على إنتاج المزيد من الأفكار التي تصب في مصلحة المواطن – بالطبع.

 يبدو أن المواطن البسيط بات بحاجة إلى تطوير مهاراته في التنفس الاقتصادي: كيف تتنفس وأنت مُثقل بالضرائب والاقتطاعات؟ الإجابة بسيطة: لا تتنفس، فقط ادفع. فالحياة في هذا الوطن ليست للجميع، بل فقط لأولئك الذين يجلسون على قمة هرم الرواتب والامتيازات.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى