منذ إعلان فوز المغرب بشرف تنظيم كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، برز هذا الحدث كفرصة تاريخية تعكس مكانة المملكة المتنامية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي ظل التحديات التنموية العالمية المتزايدة، يأتي هذا الإنجاز ليحمل معه آمالًا عريضة بتحقيق نقلة نوعية تتجاوز الأبعاد الرياضية التقليدية. فهذا المشروع الضخم لا يقتصر على تنظيم بطولة رياضية عالمية فحسب، بل يمثل نقطة انطلاق نحو تحقيق تحول شامل في مختلف القطاعات الحيوية، بدءًا من تعزيز البنية التحتية الرياضية والعامة، وصولًا إلى دعم الاقتصاد الوطني من خلال استقطاب الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، وتنشيط السياحة. كما أنه يشكل منصة لإبراز صورة المغرب كدولة تجمع بين الأصالة والحداثة، وتعكس إرادتها في التميز والريادة ضمن المشهد العالمي.
ان استضافة كأس العالم تتطلب تطويرًا كبيرًا للبنى التحتية، ان على مستوى البنيات الرياضية الخاضعة للمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم، او على مستوى البنيات التحتية السياحية والطرقية والمطارات والموانئ. ان هذه الاستثمارات ستحقق تنمية مستدامة وتحسين الخدمات المرفقية وربط المملكة بمحيطها السوسيو-اقتصادي اقليميا ودوليا للرفع من جاذبية الاقتصاد والاستثمار. ان هذا الحدث الرياضي يتوقع مراقبون ان يجذب ملايين الزوار عشاق المستديرة وغيرهم من محبي المغرب ما سيؤدي حتما الى ارتفاع الطلب امام العرض الفندقي والذي يتطلب الرفع من الطاقة الاستيعابية للفنادق والمنتجعات السياحية ودور الايواء المنظمة. ان مختلف هذه المشاريع ستساهم في خلق فرص شغل مهمة في مجالات مختلفة (البناء، الخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا…)، كما يرتبط أيضا تنظيم البطولة بإطلاق برامج تدريبية ستعرف مواكبة شبابية خاصة نظرا لهذا الحدث من جاذبية خاصة للفئات الشابة في مجالات متعددة، كما ان العديد منهم سيستفيدون من إدارة الفعاليات، التكنولوجيا، والخدمات السياحية. ان الاستثمار في الراس المال البشري يعزز من جاذبية اليد العاملة المغربية للتعامل مع التحديات المستقبلية، ويزيد من تنافسيتها على المستويين الوطني والدولي.
ولئن تنظيم كاس العالم يعتبر رافعة للتنمية المستدامة وذلك عبر انسجامه مع رؤية المغرب في هذا المجال، من خلال اعتماد مشاريع صديقة للبيئة، مثل تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة واستخدامها لتشغيل المنشآت الرياضية. كما أن تحسين البنية التحتية الصحية وتوسيع شبكة الاتصالات يُسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين بعد انتهاء البطولة. وعلى المستوى الدولي، يُتيح تنظيم كأس العالم فرصة استثنائية لتعزيز المكانة الدولية للمغرب داخل المنتظم الدولي والافريقي كوجهة آمنة ومستقرة قادرة على استضافة فعاليات عالمية كبرى كما يعزز أيضا قدرة المغرب من تحقيق الانتقال التنموي ودعم جهود كافة الفاعلين السياسيين الاقتصاديين والاجتماعيين في خلق وبناء شراكات جديدة.
إن تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 ليس مجرد حدث رياضي، بل موضوعا استراتيجيا يتولى ملك البلاد شخصيا تتبعه والاشراف عليه ولعل اخر اجتماع وزاري ترأسه الملك محمد السادس تأكيدا على ذلك وبالتالي فإن هذا الحدث يعتبر بحق مشروعا استراتيجيا ذو ابعاد تنموية واقتصادية واستثمارية طموحة تواكب او تترجم تطلعات المملكة المغربية ملكا وشعبا في بناء مستقبل مستدام وفق رؤية ملكية وطنية ومواطنة تواكب تطلعات الشعب المغربي في بناء مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة.
سفيان بودرة : باحث في الشؤون الاقتصادية والمالية والتدقيق.