الإحصاء : تبخيس الواجب الوطني ،الدلالات و المعاني .

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين

 

هل يدرك المغاربة أن هواتفهم، وهي تنقل مشاهد معزولة وطارئة من بلادنا، لا تنقلها إلى المغاربة فحسب، بل إلى العالم بأسره؟ ومن لا يدرك عواقب هذا الانتشار خارج الحدود، فإنه بكل تأكيد غير واعٍ بسلوكه.

لا يمكن تكميم الأفواه، ولا يمكن محاصرة الإبداع، ولا يمكن مصادرة الحق في التعبير. كل هذا لا جدال فيه. ولكن، هل تجرؤ على تصوير خلاف نشب بين أخوين في منزل الأسرة ونشره للعموم، حتى وإن كان الهدف هو إبراز ظواهر تنخر الأسرة المغربية؟

من جهة أخرى، هناك مسألة تتعلق بنقل صور غير حقيقية عن بلادنا إلى العالم عبر التشخيص. في الحقيقة، هناك إبداعات مسيئة لصورة بلادنا، تنقل للعالم صورًا لا تعكس واقعنا أو، لنقل، لا يمكن تعميمها على بلادنا.

ما يدفعني للحديث هو الكم الهائل من الأفلام “الفكاهية” على اليوتيوب التي تحتوي على مضامين تقلل من قيمة الإحصاء العام للسكان والسكنى. لا أريد دغدغة المشاعر أو تكرار الإساءة لرجال التعليم أو الخوض في الرسائل السياسية التي تهدف للطعن في عملية الإحصاء. ولكنني سأركز على توظيف شخصيات وكأنها تمثل المجتمع، مثل المستجوب الذي يرد على الأسئلة أثناء ضرب زوجته وشتمها، بالإضافة إلى إجابات تصوّر التعدد وكأنه غير محدود وغير مضبوط، والطمع في المال والإعانات.

لم أطلع على أي شريط تشخيصي أقدمه صانع محتوى ليوضح أهمية الإحصاء، بل على العكس، هناك برامج تشرح مساطر الإحصاء بشكل جيد. الفرق بين الفكاهة والسخرية واضح، وكل هذه الفيديوهات تسخر من الإحصاء عبر وقائع مفترضة، مما يعكس رؤية الممثل والمصور للشخصية المغربية، وهذا هو جوهر المشكلة.

لا يمكن أن يكون الفن انتقائيًا ويجعل من الإثارة والتبخيس والتنمر والتشهير والتدليس مادة مرجعية لإبداعه، وإلا فإنه يبتعد عن قيم الفن ويصبح أداة للهدم. المغاربة أهل الجود والكرم، وعملية الإحصاء تنجزها أجهزة الدولة بالتعاون مع رجال الإحصاء، فالشيوخ والأعوان والعرفاء جميعهم في قلب عملية دقيقة لتسهيل مهمة رجال الإحصاء وضمان شمول الإحصاء لكافة الساكنة.

المغاربة سيشاركون كعادتهم في إنجاح هذا المشروع الوطني طيلة هذا الشهر، ورغم التخويف والتشويش والتبخيس، فإنهم يستأنسون بتلك الفيديوهات ويعتبرونها جزءًا من عاداتهم في كل المحطات والمناسبات، وليس الإحصاء وحده. وحتى إن كانت هناك محاولة لتشويه صورة المغرب بالخارج، فإننا نؤمن بأن الأمانة تقتضي أن يعرف السائح عيوبنا ومزاينا، الجميل والقبيح في وطننا، مما لا يقلل من قيمته.

وعلى من يزعجه هذا الأمر أن يصححه ويزيله. ومع ذلك، لماذا نختزل المغاربة في فيديوهات الإحصاء كأنهم من العصر الحجري ولا يعرفون معنى الإحصاء، رغم أنه الإحصاء السابع في تاريخ المغرب؟ لماذا نلبس المواطنين صفات الجهل والأمية، ونتعامل مع الرجل كـ”سي السيد” المتجبر، ونضع المرأة في موقع المغلوب على أمرها أو “جلواقات” يتهجمن على رجل الإحصاء بشكل يقلل من عفتها؟

نعم للإبداع، ومرحبًا بالإمتاع، ولكن ما قيمة الإبداع إن كان يشوه ويقلل ويشهر ويدنس، وكل ذلك تحت يافطة الإبداع؟ لنعد حساباتنا، حتى لا نكون في عيون العالم كما يصورنا معتوه أو جاهل ملفوف في لباس الفن. ولنبادر جميعًا من أجل إنجاح هذا الورش الوطني، ونساهم في تعبئة المواطنين، وإقناع المترددين، ومساعدة رجال الإحصاء بحسن الاستقبال والضيافة والصدق في المعلومة.

فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى