التنوع اللغوي في المغرب بين الدستور والإحصاء: أين الأمازيغية؟

يمثل الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب، في صيغته الحالية، انتهاكًا واضحًا للدستور المغربي الذي يعترف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية. فحصر الأسئلة المتعلقة باللغات، بما في ذلك الأمازيغية، في استمارة مطولة تُوزع على نسبة ضئيلة من السكان، يعكس تهميشًا مقصودًا لهذه اللغة وحقوق متحدثيها. هذه المنهجية التي تعتمدها المندوبية السامية للتخطيط ليست مجرد إجراء إداري، بل هي خطوة تُضعف الجهود الرامية إلى تعزيز حضور الأمازيغية في المجتمع المغربي، وتقلل من شأن التنوع الثقافي واللغوي الذي يُعتبر ركيزة أساسية للهوية الوطنية.

إقصاء الأمازيغية من استمارة الإحصاء
حصر الأسئلة المتعلقة باللغات الأم والمقروءة والمكتوبة، ومنها الأمازيغية، في استمارة تُوزع على 20% فقط من الأسر المغربية، يعدّ إجراءً يفتقد إلى الموضوعية والشفافية. هذه النسبة الضئيلة لا يمكن أن تعكس الصورة الحقيقية لاستخدام اللغة الأمازيغية في الحياة اليومية للأسر المغربية. كما أن توزيع هذه الاستمارة بشكل غير متساوٍ جغرافيًا يساهم في تشويه النتائج، مما يؤثر سلبًا على وضع الأمازيغية في السياسات العامة المستقبلية.

علاوة على ذلك، يعتبر هذا الإجراء انتقاصًا من الأهمية الدستورية للأمازيغية. فبعدما أقرّ الدستور المغربي في 2011 بالأمازيغية كلغة رسمية، كانت التوقعات أن تشهد هذه اللغة اهتمامًا أكبر في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك في الإحصاءات الوطنية. لكن بدلاً من ذلك، يتم التعامل مع الأمازيغية وكأنها قضية هامشية تُستثنى من الاستمارة الأساسية للإحصاء، مما يعزز الشعور بالإقصاء بين متحدثيها.

انعكاسات المنهجية على دقة الإحصاء
تفتقر المنهجية الحالية للإحصاء إلى الدقة العلمية المطلوبة للحصول على صورة واضحة وشاملة للتنوع اللغوي في المغرب. فاعتماد عينات صغيرة واستثناء غالبية الأسر من الأسئلة المتعلقة باللغات يجعل من المستحيل تقديم إحصائيات موثوقة حول واقع اللغات في المغرب. الأمازيغية، التي تُستخدم يوميًا في البيوت والأماكن العامة من قبل ملايين المغاربة، يتم تقليصها إلى مجرد نسبة ضئيلة في عينة إحصائية، مما يفرغ العملية من مصداقيتها ويضعف جهود تطوير سياسات لغوية تعزز التعددية.

وتعليقا على الموضوع، أكد عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، عبد الله بوشطارت على أن اعتماد استمارتين مختلفتين في الإحصاء، وإقصاء أسئلة حول اللغات الأمازيغية من الاستمارة القصيرة، هو أمرٌ غير منصف ويستهدف الأمازيغية بشكل مباشر. وطالب المندوبية بتوضيحات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الإجراء، مؤكدًا على أهمية إدراج أسئلة حول اللغات في جميع الاستمارات، خاصة وأن الأمازيغية لغة حية تستخدم يوميًا في العديد من البيوت.”

دعوات لتصحيح المسار
المتابعون والناشطون في مجال الدفاع عن الأمازيغية يطالبون بإصلاح فوري لهذه المنهجية، إذ يرون أن استمرار هذا النهج سيعزز التهميش الذي تعاني منه الأمازيغية في السياسات العامة. يجب أن تتحمل المندوبية السامية للتخطيط مسؤولية اتخاذ خطوات جادة لتصحيح هذا المسار الخاطئ، بما في ذلك تعميم الأسئلة المتعلقة باللغات في جميع الاستمارات.

كما يدعو هؤلاء إلى تشاور أوسع مع المؤسسات الدستورية المعنية باللغة الأمازيغية، مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لضمان أن تكون نتائج الإحصاء متوافقة مع الدستور والتزامات المغرب في مجال التنوع الثقافي.

لا يمكن اعتبار الإحصاء العام للسكان والسكنى في صيغته الحالية مجرد إجراء إداري، بل هو مرآة تعكس واقع المجتمع المغربي وتنوعه الثقافي واللغوي. إن إقصاء الأمازيغية أو تهميشها في هذه العملية يعكس صورة مشوهة عن المغرب الحديث، الذي يفخر بتعدد لغاته وثقافاته. لذلك، فإن إعادة النظر في المنهجية المعتمدة وضمان تمثيل عادل للأمازيغية في الإحصاء ليس مجرد مطلب ثقافي، بل هو ضرورة دستورية وأخلاقية.

A.Bout

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى