حينما يصبح الجهل قائداً

في عصر يتسارع فيه التطور التكنولوجي ويزداد فيه تدفق المعلومات، تبدو القراءة كإحدى الوسائل الأساسية التي تحمي المجتمعات من الوقوع في فخ الجهل والتخلف. فالقراءة ليست مجرد هواية أو وسيلة لقضاء الوقت، بل هي جسر يربط الإنسان بالمعرفة والثقافة، ويمنحه القدرة على التفكير النقدي والفهم العميق للعالم من حوله. لكن، ماذا يحدث عندما يختفي هذا الجسر؟ عندما ينخفض معدل القراءة في المجتمع وتصبح الكتب مجرد ذكريات بعيدة؟

تبعات غياب القراءة
إن تراجع نسبة القراءة في أي مجتمع ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو مؤشر على مشاكل أعمق. فغياب القراءة يؤدي إلى تقلص آفاق الأفراد وضيق رؤيتهم للعالم. يصبح من الصعب عليهم استيعاب الأفكار الجديدة أو التكيف مع التغيرات التي تحدث من حولهم. وفي غياب القراءة، يصبح المجتمع أكثر عرضة لنشر الخرافات والأفكار الرجعية، حيث يتحول الجهل إلى قائد يوجه الناس بدلاً من المعرفة.

حينما يصبح الجهل قائداً
في المجتمعات التي يغيب فيها الاهتمام بالقراءة، يصبح الجهل هو القائد الفعلي. يبدأ الناس في الاعتماد على مصادر غير موثوقة للمعلومات، ويزداد انتشار الأخبار الزائفة والخرافات. يتحول الحوار الاجتماعي إلى صراع بين أفكار سطحية ومشوهة، بدلاً من أن يكون نقاشاً بنّاءً يستند إلى حقائق ومعرفة. وفي غياب القدرة على التفكير النقدي، يسهل التلاعب بالجماهير وتوجيهها نحو أهداف ضيقة تخدم مصالح قلة على حساب المصلحة العامة.

دور القراءة في بناء مجتمع متوازن
لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم دون أن يكون لأفراده القدرة على القراءة والفهم والتحليل. فالقراءة هي التي تفتح أمام الإنسان أبواب العالم وتساعده على تجاوز الحدود الضيقة التي يفرضها الجهل. إنها تمنحه القدرة على التفكير المستقل، وعلى اتخاذ قرارات واعية تستند إلى معرفة حقيقية.

كما أن القراءة تعزز من التفاهم والتسامح بين الأفراد، حيث تتيح لهم فرصة التعرف على ثقافات وآراء مختلفة. وهذا بدوره يؤدي إلى بناء مجتمع متنوع ومتوازن، يقوم على احترام الاختلافات والتعاون من أجل تحقيق الخير العام.

كيفية إعادة إحياء القراءة في المجتمع
إعادة إحياء القراءة في المجتمع ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية. يمكن أن تبدأ هذه الجهود من خلال المدارس، حيث يجب تعزيز ثقافة القراءة منذ الصغر. كذلك، يمكن تنظيم حملات مجتمعية تشجع على القراءة، وتوفير الكتب بأسعار معقولة أو حتى مجاناً في المكتبات العامة.

كما يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة لنشر حب القراءة، عبر توفير الكتب الإلكترونية وإطلاق منصات تفاعلية تشجع على القراءة. والأهم من ذلك، يجب أن يكون هناك تقدير اجتماعي للقراءة، بحيث يُنظر إليها كوسيلة ضرورية لتطوير الذات والمجتمع.

إن غياب القراءة في المجتمع يعني فتح الباب أمام الجهل ليتولى القيادة. وهذا ليس مجرد تهديد للنمو الثقافي أو الفكري، بل هو خطر على استقرار المجتمع وتقدمه. يجب أن نعمل جميعاً على تعزيز ثقافة القراءة في مجتمعاتنا، ليس فقط من أجل المعرفة، بل من أجل بناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.

 

A.Bout

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى