بقلم الدكتور والباحث ناصر أزداي
حبا الله منطقة شمال إفريقيا(تامزغا )بموقع جغرافي إستراتيجي و خيرات معدنية وفلاحية وثروة بشرية، وهي من المخازن الزراعية القديمة منذ فجر التاريخ، تلك التي كانت تدار بنظام نموذجي أمازيغي خاص واستثنائي ومميز. كان أجدادنا رواد في ترويض الحيوانات وتشكيل الصوف والجلد وتحويل المنتجات الطبيعية للضروريات والهندام والأغطية والاداوات والتسميات التنظيمية الإلهية التي تطورت على مر العصور مما أدى لاحقًا إلى ظهور قوانين إيزرفان والمؤسسات آيت مراو آيت ربعين إنفلاس ثاظا، أمغار ومفهوم أمازير، أمور، والمحميات، أكدال أورثي، أمردول، لعذير، ثوسنا وما إلى ذلك. لقد ابتكروا في المجالات الفنية المعمارية والطهي الذي يجسده بشكل رئيسي الكسكس والطبق الموريسي “وهو طبق لحم يتم تحضيره من خلال الجمع بين المالح والحلو واسمه المروزية ”, مما يسلط الضوء على وفرة الثروات الطبيعية وعبقرية أجدادنا الأمازيغ. باختصار شعب وصل إلى أوج حضارة التطور والاستقرار على أراضي غنية وهائلة، مما جعلها منذ فجر التاريخ عرضة للأطماع الخارجية. فعاش سكانها الأمازيغ حروبا طاحنة ضد الغزاة، كانت فترات الحرب هذه مليئة بالمعتقدات والأساطير التي عززت نفسية الناس لذا برزت خلال زمن المقاومة آلهة الحرب، إعتبرها الأمازيغ القدماء أربابا للحروب منها: الإله أغورزيل إله الرعد و الحرب و يعتبر إبن الإله آمون، إسمه مرتبط بإسم مدينة قرزة في ليبيا، يمثل برأس الثور، إذ إستخدمته قبيلة لواتة الأمازيغية في حروبها ضد البزنطيين في القرن السادس،حيث يقال أن إيرنا رئيس كهنة المور وملك إيلاجواس خلال الإشتباكات بين الرومان والمور ألقى ثورا مقدسا ضد الخطوط الرومانية. ولقب الإله أغورزيل ب(جوبيتر المور ). الإلهة أفري يعني إسمها الكهف و هي حامية أرض الأمازيغ(ربة إفريقيا )إذ منها أطلق إسم أفريكا على كامل إفريقيا، ظهرت إلاهة أفري على نقود نوميدية منذ القرن الأول قبل الميلاد، ورافقت الأمازيغ في حروبهم ضد الرومان. إضافة إلى آلهة الحرب عند الليبيون القدماء أسلاف الأمازيغ المعاصرين. أما الإله آمون، يقال أن إسمه مشتق من كلمة أمازيغية “إيمان” ومعناه الروح، وبحسب حسن أوريد، فمن هذه الكلمة يأتي مصطلح “أمين”. لقد عبد الإغريق آمون الأمازيغي و وحدوه في ما بعد بإلاههم زيوس،كما إرتبط آمون الأمازيغي بعبادة البونيقيين الذين وحدوا إلاههم بعد بآمون الأمازيغي على غرار إله المطر انزار والإله الأعلى اكوش. كان يعتقد أن آمون أصله مصري،لكن بعد إكتشافات أركيولوجية في منطقة تامزغا أو ليبيا القديمة صار يرجح أن أصله أمازيغي، ويبقى الأمر غير محسوم لحد الآن. آمون إله الخلود والخير والروح والشمس ويرمز إليه بقرص الشمس بين قرنين الكبش، وقد أكد علماء الآثار أن صور الكبش التي عثر عليها بشمال إفريقيا منقوشة على الصخور تعني أن الكبش كان يقدم قربانا للإله آمون خلافا للأطروحات التي تنص على أن الأمازيغ يعبدون ويقدسون الكبش والثور. تبقى هذه المعتقدات الدينية التي سادت في بلاد المور قبل الديانات التوحيدية خاصة الإسلام هي مرجعية الكرنفال أو المهرجان التنكري الذي تعرفه معظم مناطق المملكة المغربية، بعد اليوم الثاني من عيد الأضحى. يتخذ هذا المهرجان أسماء مختلفة حسب المناطق. منها مهرجان بوجلود أو بويلماوين أو بويودماون أو . بويسلخن أو بوهيثور أو سونة أو بيلماون أو باشيخ وإلماوين تعني أيضًا الصوف المكرر. من مميزاته يرتدي فيه المشاركين جلود الكباش أو المعز أو الأبقار بصوفها. مثلا في منطقة سوس يطلقون عليه إسم(بيلماون) أو (بويدماوين) وفي وسط المغرب بويلماوين وهي كلمة أمازيغية بو(بمعنى مالك) وإيلماوين (جلود جمع جلد و تلمي تعني الصوف). بالتالي بلموين أو بويلماوين تعني مالك الجلود. و مصطلح بودماوين (جمع أودم بمعنى وجه) بمعنى وجوه وهي مرتبطة بمعتقد مسح الوجه بالجلد لجلب الحظ أو إلقاء تعويذة ما أو التنبؤ بالسحر أو لتحديد لحظة انتقام مخطط له ولقد مارس الأمازيغ هذه الطقوس في عهد كُسيلة لتعيين الانتقام من عقبة وجيشه. بينما في وسط المغرب يسمى (بويلماون أيضا بولحلايس). في مناطق الشمال يسمى ب (بولبطاين) أو (باشيخ). على الساحل الأطلسي يسمى ب (ميمون ) أو (أمعشار). في شرق البلاد يسمى ب (بوهو ) و (سونة). هذه الظاهرة أصولها مبهمة، إذ لم يذكرها أي مصدر تاريخي أو أنتربولوجي، بإستثناء ما ذكره الباحث الفنلندي-البريطاني (إدوارد وسترمارك) الذي يقول, إن الكرنفال التنكري من الطقوس المغربية التي ظهرت في العصور القديمة، له إرتباط بعلاقة الإنسان مع الطبيعة و تقديس الحيوان ولكنها في الواقع تتناسب مع معتقدات تقديم القرابين للآلهة. لذا يرى بعض الباحثين أن جذور مهرجان بوجلود إفريقية مستوحاة من أساطير قديمة أساسها تقديس الحيوان، دخلت المغرب مع نزوح الأفارقة عبر التاريخ جالبين معهم عاداتهم كالطقوس الكناوية و إنتشار أسماء مثل ميمون (للا ميمونة). ويرى الآخرون أن أصل المهرجان مستوحى من التراث الأمازيغي ما يعزز ذلك كلمة (بيلماون)، وكلمة (بولحلايس). إلى جانب مهرجان تاعيشورت ن وودايين التي لا يزال يحتفل بها بشكل خاص في الجنوب الشرقي وترتبط هذه الظاهرة بالتراث الأمازيغي اليهودي المغربي، من خلال كلمة (بوهو)، وتعني لهم حيوانا أو وحشا مخيفا. مهما يكن أصل ظاهرة بويلماوين، تبقى على غرار طقوس وممارسات ثقافية متعددة من التراث المغربي اللامادي جذوره ضاربة في أعماق تاريخ البلاد، ودليل على ثراء الثقافة الأمازيغية التي تطورت في كماليتها وانفتاحها على مختلف الآفاق الثقافية الأخرى وخاصة في المغرب منذ القدم، ولها قيمة إجتماعية و ثقافية، فهي تحافظ على الذاكرة الأمازيغية الجماعية والهوية المميزة لها بتمريرها عبر هذه الإحتفالات للأجيال القادمة. بينما نأمل أن يجعلها الجيل الصاعد تتطور في سياقها الثقافي الأمازيغي وفي اتجاه اجتماعي وإنساني إيجابي ومحترم، مما يرفع الوعي ويدخل البهجة لدى المواطنين و يعزيز السياحة الثقافية وطنيا ودوليا وأبعد من ذلك تعزيز التعريف بالثراء العميق لثقافة الموريين عبر العالم…