
تشهد بعض المجتمعات المغاربية والمشرقية خلال السنوات الأخيرة انتشاراً متسارعاً لظاهرة العناية المفرطة بالشكل الخارجي، بلغت في بعض الحالات مستوى الهوس بتضخيم مناطق معينة من الجسد عبر عمليات التجميل أو المواد المحقونة، باعتبارها وسيلة لبلوغ القبول الاجتماعي أو تحسين فرص الاندماج الأسري والمهني. ويطرح هذا التحول تساؤلات جوهرية حول منظومة القيم الموجهة للفعل الاجتماعي، وحول أولويات البناء الحضاري في مجتمعات تسعى إلى التقدم والنهضة.
ففي الوقت الذي نلاحظ فيه توجهاً ملحوظاً في عدد من الدول الغربية نحو تعزيز الصحة العامة، والتحسيس بمخاطر السمنة، والتقليل من استهلاك المواد الصناعية الضارة التي تشكل عبئاً على أنظمة الرعاية الصحية، نواجه في المقابل لدى جزء من مجتمعاتنا العربية انزياحاً نحو ثقافة ترتكز على الجسد بوصفه معياراً رئيسياً للقيمة الاجتماعية، على حساب العقل والمعرفة والعمل والإبداع.
إن هذا الانغماس في المظهر الخارجي لا يمكن قراءته باعتباره خياراً فردياً معزولاً، بل هو مرآة لخلل ثقافي وتربوي يسهم في تكريس صورة نمطية تُختزل فيها قيمة المرأة—وربما الإنسان عامة—في مقاييس جمالية مصطنعة، بعيداً عن الكفاءة، والقدرة الفكرية، والمساهمة الفعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وتبرز خطورة الظاهرة في تأثيرها على البنية النفسية والقيمية للأجيال الصاعدة، حين تصبح النماذج المؤثرة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي مبنية على مظاهر سطحية، بدل أن تكون نماذج في التفوق العلمي والابتكار والمواطنة المسؤولة. وهو ما يستدعي تفكيراً جماعياً في إعادة الاعتبار لمنظومة التعليم والثقافة والإبداع باعتبارها مدخلاً أساسياً لإحداث انتقال حضاري حقيقي.
إن بناء مجتمعات قوية لا يتحقق عبر سباق تجميلي أو استنساخ لمعايير جمالية عابرة، وإنما يقوم على الاستثمار في العقول، ودعم البحث العلمي، وترسيخ قيم الاجتهاد والمعرفة، وتوفير بيئات اجتماعية تحترم الإنسان بما يقدمه من فكر وإسهام. وكل تأخر في إدراك هذه الأولويات يعمّق الفجوة الحضارية ويؤجل اللحاق بركب التقدم الإنساني.
ويبقى السؤال مطروحاً بإلحاح أكاديمي ومجتمعي:
كيف يمكن إعادة توجيه البوصلة نحو تأسيس جيل يُقدّر قيمة العقل والمعرفة أكثر من تقديره للمظهر؟
وما هي السياسات الثقافية والتربوية القادرة على معالجة هذه الظاهرة من جذورها؟
أسئلة تحتاج إلى نقاش هادئ ومسؤول، بعيداً عن التهكم والإدانة الأخلاقية، وقريباً من رؤية إصلاحية مشتركة تعيد الاعتبار للإنسان بما هو مشروع فكري وتنموي قبل أي شيء آخر.



