في تحول لافت بخصوص ملف الصحراء المغربية… موسكو تقترب من مقترح الحكم الذاتي

تعتبر التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن قضية الصحراء المغربية منعطفا دبلوماسيا مهما في موقف موسكو من هذا الملف، إذ تعكس تحولا تدريجيا نحو دعم مقاربة أكثر واقعية وتوازنا، وتفتح الباب أمام انخراط روسي جديد في مسار التسوية السياسية.

فعلى مدى سنوات، التزمت روسيا سياسة الحياد الحذر تجاه هذا النزاع المفتعل، مع ميل طفيف نحو الموقف الجزائري بسبب التعاون العسكري والطاقي بين موسكو والجزائر. غير أن هذا الميل لم يكن يوما اصطفافا كاملا، إذ حرصت روسيا دائما على الحفاظ على توازن دبلوماسي يتيح لها الإبقاء على علاقات جيدة مع المملكة المغربية، بوصفها فاعلا محوريا في إفريقيا وشريكا استراتيجيا في العالم العربي.

تصريحات لافروف الأخيرة تبرز تحولا نوعيا ودقيقا في الخطاب الروسي. فبإشارته إلى مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل محتمل يحترم مبدأ تقرير المصير، تكون موسكو قد ابتعدت عن لغة “الاستفتاء” الجامدة التي ظلت الجزائر متمسكة بها لعقود. هذا التوجه يعكس قراءة أكثر واقعية وبراغماتية، تنسجم مع الدينامية الأممية التي تعتبر مقترح الحكم الذاتي أساسا جديا وذا مصداقية لحل سياسي دائم.

ويأتي هذا التحول في سياق إعادة تشكل التوازنات الدولية. فروسيا، التي تواجه عقوبات غربية قاسية وتسعى إلى توسيع حضورها في إفريقيا، باتت ترى في المغرب شريكا موثوقا بفضل استقراره ومكانته القارية ودوره القيادي في التعاون جنوب–جنوب. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم الموقف الروسي الجديد كجزء من استراتيجية موسكو لإعادة تموضعها الدبلوماسي ضمن نظام دولي متعدد الأقطاب.

كما تتزامن تصريحات لافروف مع مرحلة حساسة على مستوى مجلس الأمن، حيث يجري التحضير لاعتماد قرار جديد حول قضية الصحراء المغربية، ومع تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تحدث عن “ضغوط تمارسها قوى كبرى” على بلاده في هذا الملف. هذا التزامن ليس مصادفة، بل يعكس أن محور النقاش الدولي حول الصحراء يشهد تحولا ملحوظا، وأن الخطاب الانفصالي يفقد تدريجيا زخمه لصالح مقاربة واقعية وتوافقية.

بالنسبة للمغرب، يمثل هذا التطور مكسبا دبلوماسيا واستراتيجيا مزدوجا. فهو من جهة يعزز مصداقية مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بتأييد متزايد على الساحة الدولية، ومن جهة أخرى يكسر احتكار الجزائر لدعم بعض القوى الكبرى. كما أنه يضيف بعدا رمزيا مهما، إذ يظهر أن الزخم الإيجابي الذي تعرفه القضية الوطنية مستمر في التوسع، وأن مسار التسوية يقترب من لحظة حاسمة لصالح مقاربة المغرب الواقعية والبراغماتية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى