
يُفترض أن يكون المركب الثقافي “الرايس سعيد اشتوك” بمدينة بيوكرى فضاءً حيويًا للثقافة والإبداع، ورمزًا للاهتمام بالموروث المحلي والأنشطة الفكرية. إلا أن هذا المرفق العمومي، رغم أهميته، يعاني من نقص خطير في بنيته التحتية يجعله غير متاح لفئة مهمة من المواطنين: الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة.
بينما تتوالى الخطابات حول العدالة المجالية والإنصاف الثقافي، لا تزال أبسط الشروط المادية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من الولوج إلى هذا المرفق غائبة، وعلى رأسها ممرات الولوج الخاصة بالكراسي المتحركة والمساعدات الحركية.
إن غياب هذه الممرات ليس مجرد خلل تقني أو هندسي بسيط، بل هو إقصاء غير مباشر لفئة من المواطنين تُحرم من متابعة الأنشطة الثقافية والعروض المسرحية والمشاركة في الفضاء العمومي الثقافي. هذا الوضع يتنافى بشكل صارخ مع الدستور المغربي، الذي ينص في الفصل 34 على ضرورة اتخاذ السلطات العمومية للتدابير اللازمة لتمكين الأشخاص في وضعية إعاقة من التمتع بكافة الحقوق والحريات.
أين المقاربة الحقوقية في التهيئة؟
التهيئة التي لا تراعي تنوع المجتمع هي تهيئة تُعيد إنتاج الإقصاء. والمؤسف أن الأمر لا يتعلق بمرفق قديم بُني قبل إدماج معايير الولوجيات، بل بمركب حديث نسبيًا. هذا يثير تساؤلات جدية حول مدى احترام دفاتر التحملات، ودور المراقبة الإدارية والهندسية، ومدى حضور المقاربة الحقوقية في تصور المشاريع الثقافية بالإقليم برمته. يبدو أن الحاجة إلى توفير بيئة شاملة ومتاحة للجميع لم تكن في صلب اهتمامات التصميم والتنفيذ.
أمام هذا الوضع المقلق، تُطرح مسؤولية مشتركة على عاتق عدة جهات:
المجلس الجماعي لبيوكرى: بصفته المسؤول عن تجهيز المرافق العامة المحلية، يتحمل مسؤولية مباشرة عن هذا التقصير.
المديرية الإقليمية للثقافة: كجهة مشرفة على البرمجة والتدبير الثقافي، يجب أن تضمن أن المرافق تحت إشرافها تخدم جميع أفراد المجتمع.
السلطات الإقليمية: من شأنها التدخل لتصحيح هذا الوضع وضمان احترام المعايير الوطنية للولوجيات في جميع المرافق العمومية.
كما أن هذه المناسبة تستدعي دعوة فعاليات المجتمع المدني والحقوقي إلى الترافع الجاد والضغط المستمر من أجل إدماج بعد الإعاقة في كل مشاريع التهيئة والتأهيل الحضري، ليس فقط في المراكز الثقافية، بل في الشوارع والمرافق الإدارية والفضاءات الرياضية كذلك.
إذا كنا نؤمن حقًا بأن “الثقافة حق للجميع”، فلا بد أن يكون الولوج إليها ممكنًا للجميع. وإلا، فإن هذا الشعار سيظل مجرد زينة لغوية تُخفي واقعًا مريرًا من التهميش والصمت. فهل سيُصحح هذا الخطأ الفادح قريبًا بعد تعيين العامل الجديد للاقليم ليعم خير هذا الصرح الثقافي على الجميع دون استثناء؟