تصدع جديد داخل المعارضة البرلمانية: مهمة استطلاعية تكشف هشاشة التنسيق السياسي تحت القبة

في مشهد يعكس مجددًا هشاشة التنسيق داخل صفوف المعارضة البرلمانية بمجلس النواب، رفضت فرق ومجموعات المعارضة، مساء أمس الإثنين، خلال اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية، التوافق حول القيام بمهمة استطلاعية برلمانية حول موضوع دعم استيراد الأغنام والأبقار واللحوم المجمدة، وهو الملف الذي أثار لأسابيع طويلة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والرأي العام.

اللافت في هذا التراجع المفاجئ أن عدداً من الفرق البرلمانية المعارضة كانت من أبرز المطالبين في وقت سابق بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن ملف الاستيراد، خاصة على ضوء ما رافق العملية من اتهامات بعدم الشفافية، واستفهامات حول آليات الدعم ومدى استفادة المواطن من هذه العمليات. لكن المفاجأة كانت في فشل المعارضة في الاتفاق على الموضوع، واختيار بعض مكوناتها التوجه نحو ملفات بديلة، كالحبوب أو تسويق الأسماك، بدلًا من الملف الساخن الذي كانت هي نفسها من أبرز من فجّره تحت القبة.

وفي الوقت الذي صوتت فيه فرق الأغلبية لصالح اقتراح المهمة الاستطلاعية حول دعم استيراد اللحوم، بدعوة من كل من علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، ومحمد غياث، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، بدا جليًا أن المعارضة فقدت البوصلة، ووقفت أمام هذا التحول بدون موقف موحد، وهو ما طرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب هذا التراجع، الذي يصفه بعض المتابعين بـ”الانسحاب التكتيكي الغامض”.

انسحاب الاتحاد الاشتراكي: القشة التي قصمت ظهر التنسيق؟
هذا التطور يأتي بعد أيام قليلة من انسحاب حزب الاتحاد الاشتراكي من مبادرة تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة، وهو ما يُعدّ مؤشراً إضافيًا على تآكل التنسيق بين مكونات المعارضة، التي باتت عاجزة عن ضبط إيقاع عملها داخل المؤسسة التشريعية، بل وحتى عن التفاهم على ملفات دقيقة من شأنها التأثير على الرأي العام.

مصادر برلمانية رجّحت أن يكون هذا الانقسام ناتجًا عن تباين في الأجندات السياسية، واختلاف في تقييم جدوى فتح هذا الملف بالذات، في ظل حديث عن ضغوط سياسية واقتصادية تحيط بالموضوع، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات المهنية وانتظارات الفلاحين والمستهلكين على حد سواء.

معارضة بلا قيادة واضحة؟
الأزمة الأخيرة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حول قدرة المعارضة على أداء دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، في ظل غياب قيادة موحدة أو رؤية استراتيجية متكاملة. فبين تراجع الاتحاد الاشتراكي، وتذبذب مواقف التقدم والاشتراكية، ومحاولة العدالة والتنمية استعادة المبادرة دون حلفاء حقيقيين، يبدو أن المعارضة دخلت مرحلة “التيه السياسي”، إن لم نقل “العزلة البرلمانية”.

تحالفات جديدة في الأفق؟
في ظل هذا التصدع، تروج داخل كواليس البرلمان إشارات إلى احتمال بروز تحالفات جديدة، قد تُعيد خلط الأوراق داخل لجان المجلس، وربما تُحدث اختلالات في موازين القوى، ليس فقط داخل المعارضة، بل حتى في علاقتها بالأغلبية. فهل هي بداية تصدع شامل؟ أم مجرد أزمة مرحلية سرعان ما تُحتوى؟

ما جرى في لجنة القطاعات الإنتاجية ليس فقط مؤشراً على أزمة تنسيق، بل ربما إشارة إلى أن المعارضة البرلمانية تعيش واحدة من أضعف لحظاتها منذ الانتخابات الأخيرة. وبين التردد في ممارسة الرقابة، والانقسام حول الأولويات، وتراجع الزخم السياسي، يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً أمام بناء معارضة قوية وفاعلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى