
في مشهد يعكس التباين الصارخ في مستويات التدبير المحلي داخل إقليم إنزكان آيت ملول، أصبحت جماعة القليعة اليوم نموذجًا يحتذى به في الحكامة الجيدة والتواصل الفعال، بينما تغرق جماعة آيت ملول في دوامة من الاختلالات، التي كان آخر تجلياتها الاحتقان الشديد في صفوف الحرفيين والصناع التقليديين بسبب مشروع الحي الحرفي بمنطقة أزرو.
ففي وقت لم يمضِ فيه سوى عقد من الزمن كانت فيه القليعة تُصنف ضمن الجماعات المهمشة، نجحت هذه الأخيرة في قلب المعادلة، بفضل انخراط رئيسها في دينامية عمل متواصلة، وحُسن التنسيق مع السلطات الإقليمية، وهو ما أثمر مشاريع ملموسة وتحسينًا ملحوظًا في البنية التحتية ومستوى الخدمات. هذه النقلة النوعية لم تمر مرور الكرام على عامل الإقليم، السيد إسماعيل أبو الحقوق، الذي لم يتردد في تقديم جماعة القليعة كنموذج إيجابي، داعيًا رئيس جماعة آيت ملول إلى الاستفادة من تجربتها.
حي حرفي يتحول إلى “شبح تجاري”
في المقابل، يعيش قطاع الحرفيين بمدينة آيت ملول حالة من الغليان، بعد ما اعتبروه “طعنة من الخلف” تمثلت في تعديل تصميم التهيئة الخاص بمشروع الحي الحرفي، واستبدال تخصيصه من أنشطة حرفية إلى أخرى تجارية كبرى. خطوةٌ وصفها المهنيون بـ”التهديد الوجودي”، كونها تقضي فعليًا على فرصهم في الاستفادة من المشروع الذي حظي بدعم مالي قدره 4 ملايين درهم من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
ورغم محاولة رئيس الجماعة، هشام قيسوني، امتصاص الغضب من خلال الحضور إلى موقع الاعتصام والدعوة إلى الحوار، فإن الحرفيين اعتبروا أن جذور الأزمة أعمق من ذلك، وأن ما حدث ليس مجرد “خطأ تقني”، بل يعكس “سياسة ممنهجة” لإقصاء هذا القطاع الحيوي.
انتقادات صريحة في اجتماع رسمي
خلال اجتماع رسمي احتضنه مقر عمالة إنزكان آيت ملول صباح اليوم التلاتاء، لم يتردد السيد العامل في التعبير عن استيائه من طريقة تسيير جماعة آيت ملول، منتقدًا ضعف قنوات التواصل مع الساكنة، وتقاعس المجلس في معالجة قضايا البنية التحتية المتدهورة، والتي طالما نبهت إليها الصحافة المحلية وفعاليات المجتمع المدني.
ويبدو أن رئيس المجلس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة ترتيب بيته الداخلي، وتفعيل آليات الحوار والانفتاح على مكونات المدينة، إن أراد تجاوز حالة الجمود التي تعيشها جماعته.
نموذج القليعة… دروس في الحكامة
من جهة أخرى، أشار العامل أبو الحقوق بشكل مباشر إلى تجربة القليعة، مؤكدًا أن ما تحقق هناك لم يكن بمحض الصدفة، بل نتيجة تواصل دائم مع المواطنين، وانفتاح على المحيط السوسيو-اقتصادي، واستغلال أمثل للإمكانيات المتاحة وتجاوز الصراعات السياسية. وهي رسالة واضحة، مفادها أن الرهان الحقيقي ليس فقط في توفر التمويلات، بل في القدرة على تحويلها إلى مشاريع واقعية عبر إدارة رشيدة ومقاربة تشاركية.
آيت ملول أمام اختبار حاسم
الاجتماع الذي اختُتم بصورة جماعية قد يكون بداية لانفراج، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يُترجم إلى خطوات عملية تضمن احترام التزامات الدولة تجاه الحرفيين، وتُعيد لمدينة آيت ملول زخمها التنموي. فالمقارنة اليوم أصبحت جلية بين جماعة تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، وأخرى لا تزال تتخبط في أخطاء تواصلية وتدبيرية تُهدد السلم الاجتماعي ومستقبل المدينة.
A.Bout