شيشاوة: نهضة من تحت الركام بقيادة نموذج ناجح في إعادة الإعمار

عبارة “من رأى ليس كمن سمع” تختزل بواقعية الفارق الشاسع بين الروايات المتداولة عن جهود إعادة إعمار إقليم شيشاوة المنكوب بالزلزال، وبين المشهد الحي الذي يراه الزائر اليوم على أرض الواقع. فبينما لا تزال مناطق أخرى متضررة من الزلزال الأخير تعاني من آثار الكارثة، يسطع نجم إقليم شيشاوة كنموذج فريد في سرعة الاستجابة، والإدارة المحكمة، والمتابعة الدقيقة والمستمرة للمشاريع من قبل عامل الإقليم والسلطات المحلية.

عندما تطأ قدم الزائر جبال شيشاوة، التي اهتزت بقوة الزلزال قبل عام ونصف، يصعب عليه تصديق حجم التحول الهائل. فالقرى والدواوير التي دُمرت في لحظات قليلة، تحولت اليوم إلى خلايا نحل تعج بالحياة والعمل الدؤوب لإعادة البناء. المئات من المنازل أُعيد تشييدها، ولم يقتصر الأمر على توفير مساكن صالحة للعيش فحسب، بل جرى بناؤها وفق معايير تجعلها أكثر متانة وجمالية مما كانت عليه في السابق.

خلال زيارة ميدانية قامت بها جريدتنا يوم الجمعة الموافق 18 أبريل 2025، للوقوف عن كثب على مدى تقدم الأشغال، تجلى بوضوح أن الوعود التي قُطعت قبل سبعة أشهر قد تحققت إلى حد كبير، خاصة تلك المتعلقة بإعادة إسكان الأسر المتضررة قبل حلول صيف عام 2025.

من الأرقام إلى الواقع: البناء بالأمل والعمل
في جماعة أسيف مال، تجسدت الجهود على أرض الواقع بإتمام عملية إسكان 812 متضرراً، وذلك من خلال بناء 96 منزلاً كاملاً وجاهزاً للسكن، ومزوداً بشبكات الماء والكهرباء وكافة التراخيص القانونية اللازمة. وإلى جانب ذلك، تم صرف الدعم المالي المخصص لإعادة البناء لجميع الأسر المستحقة، بالإضافة إلى صرف منحة شهرية قدرها 2500 درهم كدعم للتخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الزلزال.

وفي دوار غرمان، حيث التقينا بالسيدة فاطمة الحبيب، وهي أرملة سبعينية فقدت زوجها في الزلزال، تتجلى إحدى أروع قصص الصمود والإصرار. استقبلتنا السيدة فاطمة بابتسامة تبعث على الأمل والتفاؤل في منزلها الجديد، وقدمت لنا كرم الضيافة المغربي الأصيل من شاي منعنع ولوز وعسل، وهي تروي لنا تجربتها في عملية البناء، معربة عن شكرها وتقديرها لكل من مد لها يد العون والمساعدة، بدءاً بالمحسنين وصولاً إلى السلطات المحلية التي لم تتوانَ عن تقديم الدعم والتوجيه.

تقول فاطمة بكلمات بسيطة وعميقة: “عاد الضوء والماء، وبنيت بيتي بيدي، والله يجازي لي دار معانا الخير”. لم تكن كلماتها مجرد تعبير عن الامتنان، بل كانت شهادة حية على الأثر الإيجابي للحضور الميداني الفعال للسلطات المحلية، ومتابعتها الحثيثة لأحوال المتضررين.

93% نسبة إنجاز.. وأيادٍ مغربية تكتب قصة الإعمار
وفقاً للمعطيات الرسمية، فقد تم الانتهاء من بناء 7442 منزلاً من أصل 8250 منزلاً متضرراً، أي بنسبة إنجاز بلغت 93%. هذا الرقم يعكس حجماً هائلاً من الجهد المبذول في ظل ظروف مناخية وجغرافية صعبة، ويؤكد النجاح الواضح للنهج الذي تبناه عامل الإقليم، والذي اختار أن يكون قريباً من الناس وفي قلب الحدث، لا خلف جدران المكاتب.

عندما يتجول المرء اليوم في دواوير شيشاوة، يرى البنّائين المحليين وهم يبنون جدراناً لا تحمل فقط حجارة وإسمنتًا، بل تحمل تاريخهم وهويتهم، وتعيد الحياة تدريجياً إلى قراهم التي عانت من وطأة الكارثة. يلمس الزائر الفخر والاعتزاز في عيون هؤلاء البنّائين وهم يرون أبناء جلدتهم يعودون إلى مساكن دافئة وآمنة، بُنيت بأيدٍ مغربية ماهرة وبمواكبة دقيقة وتوجيه مستمر من الإدارة الترابية.

رسالة إلى الإعلام: شيشاوة تستحق أن تُروى كما هي
في زمن تكثر فيه الصور السلبية والنماذج التي قد توحي بالفشل والإحباط، يستحق إقليم شيشاوة أن يُقدم كقصة نجاح وطنية ملهمة، قصة تستحق أن تُروى كما هي، بكل تجلياتها الميدانية الملموسة لا الافتراضية. ولهذا، نوجه نداءً صادقاً إلى جميع الصحفيين والمهنيين العاملين في قطاع الإعلام: اذهبوا إلى شيشاوة، قِفوا بأنفسكم على واقع الناس، تحدثوا إلى المتضررين الذين استعادوا الأمل، وانقلوا بأمانة حقيقة أن إعادة الإعمار ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي ورشة عمل يومية تنبض بالحياة والاجتهاد.

في شيشاوة، تسبب الزلزال في تمزيق الأرض وهدم المنازل، لكن عزيمة الرجال وإصرارهم على تجاوز المحنة أعادوا بناءها من جديد. وهنا، تُكتب قصة من أصدق ما يكون، قصة وطن لا يعرف اليأس ولا يستسلم للصعاب.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى