
بقلم إبراهيم الدمسيري
الكاتب الإقليمي للشبيبة الاستقلالية بالصويرة
لا يختلف اثنان عاقلان على ان الثقافة هي العمود الصلب لبناء أي حضارة بشرية، فمنذ القدم كان الانسان يبحث عن التطور من خلال طرحه لأسئلة بغية تحليل الظواهر العلمية ودراسة التفاعلات الاجتماعية عن طريق أساليب التحليل والنقد.
فالثقافة هي مجموعة المعارف والمعاني التي تتفق عليها وتفهمها مجموعة من الناس تتمثل في آثار وقيم وعادات وأفكار تجسد أساس وجودهم الاجتماعي، فالثقافة ليست متعة ذهنية ولا تتجلى فقط في معالجة النصوص الفلسفية بل هي الجمع بين العمل والفكر والوعي والإرشاد، والانسان المثقف هو الذي يتبنى كل ما ذكرناه ويمتاز بالمعرفة الواسعة في عدة مجالات وعلوم متعددة إضافة الى مهارات التحليل والنقد في تطوير القضايا الاجتماعية بشكل عام.
ويأتي تكوين هذا النوع المهم من الناس عن طريق البحث والقراءة فهما مفتاحان للتطور اذ ان اول كلمة نزلت في دستور الامة الإسلامية كانت في قوله تعالى (اقرا باسم ربك الذي خلق) فالقراءة مفتاح لتنوير المجتمع والعلو به فبها يصبح الشخص العادي باحثا ومن خلال بحثه يرقى ليصبح مثقفا وبعدها سيشرع في مهمته المتمثلة في توعية المجتمع وبهذا يصبح مفكرا في قضاياه الى ان ينال شرف الارتقاء ليصبح فيلسوفا مؤثرا في المجتمع بأفكاره المكتسبة من مساره التعليمي.
ورجوعا الى المثقف او ما يسمى بمشاغب المجتمع، فمن صفاته انه لا يتكلم عن نفسه او باسمه الخاص ولا يقدم رؤية ذاتية بل يعبر عن حركة اجتماعية لاعبا فيها دور الوسيط بين الحكام والمحكومين او بين الدولة والمجتمع، فهو يمثل صوت المجتمع ويلعب دور المعارضة من خلال طرحه للمشاكل وتحليلها ومعالجتها وتقديم الحلول لها مع الدعوة المباشرة في نشر الوعي بين العموم والتغيير والتطور في جميع المجالات، وتكمن وظيفته الأساسية في مواجهة القوى الاستبدادية ومقاومتها بأفكاره المتجهة لكل شكل من اشكال الاستغلال، فرسالته تنوير الناس وفتح باب الوصول الى الحقيقة اذا كان الامر اجتماعيا وباب المعرفة اذا كان الامر علميا، وينشر أيضا القيم النبيلة السمحة التي تبعث في الناس الطمأنينة التي يبحثون عنها والسير باستقامة دون عشوائية، وحينما يجمع الشخص في جعبته كل هاته المؤهلات يصبح مثقفا حقا وذو حكمة وتبصر ومؤهلا لقيادة المجتمع لان أفكاره لا تحارب ولا تقيد الا اذا كانت ثبت الكراهية وتدعو الى العنف اما التي تخلق حوار اجتماعيا يوصل الى العدالة فالمجتمع يتبناها أيضا ويدخلها ضمن الفضيلة التي توصل الى الكمال والعدالة الاجتماعية وان لاقت معارضة فإنها ستفتح باب النقاش فيها ويستخرج من خضم هذا النقاش أفكار أخرى تدعو الى المصلحة العامة وتخلق نوعا من الوعي الاجتماعي لتفتح المجال حول أفكار أخرى.
وقد أوصى الفيلسوف الكبير افلاطون الى ضرورة اعطاء سلطة الحكم للمثقفين ذوي الحكمة لما لهم من ارتباط عميق بها.
علاقة السلطة بالمثقف
ان علاقة السلطة بالمثقف ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لما قبل الميلاد، قديما في اليونان كان استناد السلطة على المثقف امرا أساسيا خصوصا في تعزيز قرارات الحكام بأدلة قوية، او من خلال فن الخطابة التي تعتبر ضرورة لكل مثقف من اجل تبرير تلك القرارات تجاه العامة مما يخلق نقاشا فكريا يصحح الأخطاء التي كانت قد ترتكب، وهذا يبين مدى تأثير صاحب القرار المثقف على فكر العامة.
يقول الزعيم علال الفاسي رحمة الله عليه: ان الامة التي تفكر وتنتج نبغاء التفكير لهي الامة التي تستطيع ان تكون التجاوب الديمقراطي بين الحاكم والمحكوم والانسجام الكامن في علاقة كل منهما بالآخر لان المفكر هو ميزان القسط وبذلك فهو وحده الذي يقدر على حفظ التوازن بين عناصر الشعب ويقضي على كل فوارق اصطناعية بين طبقاته.
ان الامة التي تعتاد القراءة والتفكير لهي الامة التي تستطيع ان تفرق بين الدعوات الصالحة في ترسيخ القيم النبيلة، والأخلاق الرفيعة، وتضمن تماسك المجتمع، وهي التي تقوى على ان تقاوم من اجل نظام خاص وأسلوب حياة مختار حسب رأيهم لا مفروض عليهم.
اذ ان تعميم التفكير بالأمة هو سبيل نهوضها وتحريرها من قوقعة الانحطاط الى رفعة السمو الأخلاقي.
ازمة المثقف
ان ما قلنا سابقا حول تعريفنا للمثقف من صفات متفردة فيه أصبحت في عصرنا الحالي شبه مستحيلة الوجود، ويرجع هذا الى نظرة المجتمع للمثقف التي أصبحت متغيرة، فالمثقف الان هو ذلك الشخص الذي يقرأ تلك الروايات الفارغة لكتاب الفوها فقط لأغراض تسويقية مستغلين التأثير الإعلاني لبيع كتبهم للربح التجاري فقط، بل حتى القارئ اصبح لا يقرأ لنفسه وانما للتباهي بها في مواقع التواصل الاجتماعي لجلب الانتباه فقط، ويتحمل المسؤولية في هذا بعد الدولة (التي سنتكلم عنها في الاسطر القادمة) المثقف الحالي أيضا لما يكتمه من صمت تجاه النصيحة المفروض عليه تأديتها، وعن العزلة التي اصبح يعيشها عن المجتمع، وسوء الارسال والتلقي بين المتكلم والمستمع وذلك باستعمال مصطلحات خطابية لا يفهمها العامة بسبب ضعف تعليمهم.
مسؤولية الدولة
ان للدولة مسؤولية كبيرة حول ما يعيشه مجتمعها سواء من ناحية الفضيلة او الانحطاط، فقد تجد دولا كان استثمارها في كفاءتها البشرية وارتقت عالية وأخرى اهتمت بالاقتصاد والبنية التحتية وانحطت،
ان أولى اهتمام يجب ان يكون عند الحكومة المغربية الان هو تعليم الناس وتثقيفهم فبهم سنجني ثروة كبيرة تعطي للدولة الاستمرارية في الطمأنينة دون عناء كبير فيجب بناء المستقبل بالعلم والمعرفة والثقافة والتشبث بالهوية العربية والامازيغية بالخصوص بشدة لما لها اثر عميق على هويتنا المغربية والحث على دراسة كل العلوم بلغتنا الام لضمان الفهم الكلي، مع الحث دائما لزيادة ميزانية البحث العلمي وارجاع هيبة الجامعات المفقودة، اذ لا يمكن ان تتطور دولة دون الاستثمار في الراس المال البشري والتشبث بالهوية والثقافة التي تعتبر هي روح الديمقراطية وذاكرة الشعب ووجه الدولة امام العالم.
وأخيرا يجب ان نتساءل اين هم مثقفي الامة، الان لماذا يتركون الساحة فارغة، افلا يعقلون أولا يتذكرون ان الناس الان في أمس الحاجة إليهم من قبل.
التافهين من المؤثرين أصبحوا قدوة لشبابنا لا يهمهم سوى نشر التفاهة وجمع المال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله على ارضه) مؤكدا الى أهمية تعبير الانسان عن رايه لأنه شاهد على زمانه وقضاياه.