الصراعات السياسية بين الواقع والمسرحية

في قاعات الاجتماعات، حيث يُفترض أن تُناقش قضايا المواطن بشفافية وجدية، تتحول أحيانًا النقاشات إلى مشاهد درامية مثيرة. طاولات تُقلب، أصوات ترتفع، وتوترات تشعل الأجواء. من الخارج، قد يبدو الأمر وكأن هناك حماسًا حقيقيًا لخدمة المواطن، ولكن إذا أمعنا النظر، سنجد أن هذه المشاهد ليست سوى مسرحيات مُتقنة يخفي بها بعض السياسيين وجوههم الحقيقية.

الحقيقة التي لا تُقال
في خبايا السياسة، تكمن حقائق صادمة. الكثير من هؤلاء الذين يتصدرون المشهد بشعاراتهم الحماسية وخطاباتهم الرنانة ليسوا كما يبدون. خلف الكواليس، تغرق بعض المجالس الجماعية في مستنقعات الفساد والمصالح الشخصية. ورغم ذلك، يتقن هؤلاء فن التمثيل السياسي ليظهروا بمظهر المدافع الشرس عن حقوق المواطن، وكأنهم حماة المصلحة العامة.

يؤكد العارفون بخفايا الأمور أن الصراعات التي نراها ليست سوى ستار يُستخدم لإلهاء الرأي العام، في حين تُدار خلفه صفقات وأجندات خفية. المواطن البسيط الذي يُمني النفس بأن هناك من يسهر على مصالحه، يجد نفسه أحيانًا ضحية خداع ممنهج ومسرحيات هدفها الأساسي كسب الوقت والحفاظ على النفوذ.

عندما يتصارع الرئيس والأعضاء
عندما يلتقي رئيس مجلس جماعي عنيد مع أعضاء مجلس مشاكسين، وتبدأ بينهم تصفية الحسابات السياسية والشخصية، يصبح المواطن هو الضحية الأولى. بدلًا من أن تُناقش الملفات التنموية والمشاريع التي تهم الساكنة، تتحول الاجتماعات ومواقع التواصل الإجتماعي إلى حلبات صراع تتغلب فيها الأنا على المسؤولية، والمصالح الخاصة على المصلحة العامة. والنتيجة؟ مشاريع متعثرة، قرارات معطلة، وفجوة تزداد بين المواطن وممثليه.

البرلمانيون: الحاضرون الغائبون
ولا يقتصر الأمر على المجالس الجماعية. فالبرلمانيون أيضًا، الذين يُفترض أنهم يمثلون صوت الشعب، كثيرًا ما يظهر بعضهم فقط عند اقتراب فترة الانتخابات. فجأة، تتحول ساحات البرلمان إلى مسارح للصراخ والخطب النارية، وكأنهم استيقظوا فجأة ليتذكروا أن هناك جمهورًا ينتظرهم.

لكن عند التمحيص، يتبين أن بعض هؤلاء البرلمانيين الذين يبدون كفرسان التغيير، سرعان ما تنكشف حقيقتهم عند تسلمهم مناصب وزارية أو عند ظهور ملفات فساد تضع حدًا لمسيراتهم السياسية. هذه التحولات تكشف أن شعاراتهم كانت مجرد أوراق لعب في سباق سياسي لا يخدم إلا مصالحهم.

ما العمل؟
السؤال الذي يجب أن يطرحه كل مواطن: كيف يمكن كسر هذه الحلقة المفرغة؟ الإجابة تبدأ من وعي المواطن نفسه. التصويت ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو أداة لتغيير حقيقي. اختيار الكفاءات والنزيهين يتطلب النظر إلى ما هو أبعد من الشعارات والخطابات. علينا أن نسأل: ماذا قدّم هذا السياسي قبل الانتخابات؟ وهل أفعاله تتوافق مع وعوده؟

كما أن تعزيز الرقابة والمحاسبة ضرورة ملحة. لا يمكن أن تستقيم الأمور دون وجود آليات تُحاسب الفاسدين وتكشف الستار عن المسرحيات السياسية التي تُدار خلف الكواليس.

 بين الحلم والحقيقة
السياسة ليست مسرحًا، والمواطن ليس جمهورًا يُضحك عليه. ما نحتاجه اليوم هو وعي أعمق وإرادة جماعية لتغيير الواقع. الصراعات داخل المجالس الجماعية والبرلمان ليست حتمية، بل هي انعكاس لغياب المسؤولية لدى بعض من يتولون زمام الأمور. وما دام المواطن يقظًا ومدركًا لحقيقة ما يجري، فإن أمل التغيير سيبقى قائمًا. فلنكن جزءًا من الحل، لا جزءًا من المشهد.

 

الصورة من الارشيف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى