
بقلم: سيداتي بيدا
اهتزت أوساط التربية والتعليم بمدينة العيون على وقع حادثة مؤسفة، حيث تعرضت تلميذة في إحدى المدارس الابتدائية لتنمر لفظي ونفسي من قِبل أستاذتها داخل الفصل الدراسي. وقد أثارت هذه الواقعة موجة من الاستياء العارم في صفوف أولياء الأمور والمهتمين بالشأن التربوي، لتُعيد إلى الواجهة بقوة إشكالية العنف المستشري داخل المؤسسات التعليمية، ولا سيما عندما يرتكب من قِبل القائمين على العملية التعليمية أنفسهم.
وحسب المعطيات التي توصلت بها الجريدة، فإن الأستاذة المعنية عمدت إلى توجيه عبارات جارحة ومؤذية للتلميذة أمام مرأى ومسمع زملائها، الأمر الذي أدخلها في حالة من الخوف الشديد والبكاء المتواصل، وسط صمت مُريب من الإدارة التربوية للمؤسسة. هذه الأحداث المروعة تطرح تساؤلات جوهرية حول حدود السلطة التربوية، ومتى ينحرف استخدامها ليتحول إلى إساءة تستوجب المحاسبة والمساءلة القانونية.
إن التشريع المغربي في هذا الشأن واضح ولا لبس فيه؛ فالقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين يؤكد في مادته الحادية والثلاثين على ضرورة توفير بيئة تعليمية آمنة تحفظ كرامة المتعلم وتحميه من جميع أشكال العنف أو الإيذاء.
وبالمثل، يُلزم النظام الداخلي النموذجي للمؤسسات التعليمية في فصله الثاني عشر الأطر التربوية بحسن معاملة التلاميذ واحترام مشاعرهم، مع التشديد على ضرورة التصدي الحازم لأي سلوك مهين أو تنمري صادر عن أي طرف كان.
وعلى الصعيد القانوني الجنائي، يُجرّم الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في وضعية خطر، مما يجعل التغاضي عن الحالة النفسية الصعبة التي عاشتها التلميذة محل مساءلة قانونية أيضًا.
بل إن القانون الجنائي المغربي يذهب أبعد من ذلك، حيث يُعاقب بشدة على أي إيذاء جسدي أو نفسي يلحق بالقاصرين، ويعتبر هذا الفعل ظرفًا مشددًا للعقوبة، خاصة عندما يرتكبه شخص يتمتع بسلطة أو مسؤولية تجاه الضحية، كما هو الحال بالنسبة للأطر التعليمية.
وفي سياق العلاقة الإدارية، يُعتبر الاعتداء أو سوء المعاملة من طرف المشغّل أو من ينوب عنه خطأً جسيمًا بموجب الفصل الأربعين من مدونة الشغل، يستوجب الطرد أو المساءلة التأديبية. ورغم أن هذا النص يتعلق بعلاقات العمل، إلا أن روحه ومضمونه يُستأنس بهما لتأكيد مبدأ حماية الطرف الأضعف في العلاقة التربوية، ألا وهو التلميذ.
وفي هذا الصدد، تُحذر الأخصائية النفسية فاطمة. ن قائلة: “إن التنمر الصادر من شخص بالغ تجاه طفل، خاصة إذا كان هذا الشخص في موقع سلطة ونفوذ، يُحدث شرخًا عميقًا في إحساس الطفل بالأمان، ويُفضي إلى مضاعفات نفسية وخيمة كالقلق المزمن، والانطواء الاجتماعي، والنفور من المدرسة”.
إن هذه الواقعة المؤلمة التي هزت الرأي العام المحلي في مدينة العيون، تستدعي تدخلًا عاجلًا وحازمًا من المديرية الإقليمية للتعليم، وفتح تحقيق معمق وشامل لكشف ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات. كما تُلقي هذه الحادثة بظلالها على ضرورة قيام المسؤولين بإعادة تقييم وتطوير آليات تكوين الأساتذة في الجوانب النفسية والتربوية، وتعزيز ثقافة الإنصات والتواصل الفعال داخل المؤسسات التعليمية، وذلك حمايةً لكرامة التلاميذ وصونًا لحقهم الأصيل في تعليم آمن وإنساني.