من يستحق الدعم؟ قراءة في توزيع الموارد على المؤسسات الإعلامية

عند النظر إلى مفهوم الدعم، نجد أن جوهره يتجلى في تقوية الفئات الأضعف ومساندتها لتحقيق أهدافها، خاصة إذا كان الدعم يتم تقديمه من الدولة بهدف تعزيز أدوار معينة تخدم المصلحة العامة. لكن، عندما يتم توجيه الدعم المادي نحو مؤسسات إعلامية كبرى تمتلك مداخيل ضخمة وحصصاً كبيرة من الإعلانات، تثار العديد من التساؤلات حول مدى اتساق هذا التوجه مع فلسفة الدعم الحقيقي.

الدعم بين الضرورة والإقصاء
المؤسسات الإعلامية الكبرى، بحكم مواردها وقدرتها على الوصول إلى السوق، ليست بحاجة ماسة إلى تدخلات حكومية مباشرة لدعمها، مقارنة بالمؤسسات الصغيرة والصغيرة جداً. هذه الأخيرة، تعاني من تحديات كبيرة تتعلق بضعف الموارد المالية وغياب فرص الإعلان، مما يجعل بقاءها مرهوناً بتوفير دعم عادل وموجه نحو احتياجاتها.

فهل من المنطقي أن تُحرم مؤسسة إعلامية صغيرة، تعاني من نقص التمويل وتكافح من أجل البقاء، من الدعم بينما يتم توجيهه إلى كيانات تملك القدرة على تحقيق إيرادات ضخمة تصل إلى ملايين الدراهم؟ هذا الوضع يطرح إشكالية عدالة توزيع الدعم ومدى تحقيقه للأهداف المرجوة منه.

التعددية الإعلامية ودورها في الديمقراطية
تلعب المؤسسات الإعلامية الصغيرة دوراً محورياً في تحقيق التعددية الإعلامية، التي تمثل ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية وحرية التعبير. دعم هذه المؤسسات يعزز تنوع الآراء والمعلومات، ويضمن وجود فضاء إعلامي أكثر شمولية يعبر عن مختلف التوجهات والمصالح.

بالمقابل، تهميش المؤسسات الصغيرة يحد من هذا التنوع ويعزز هيمنة المؤسسات الكبرى، مما يؤدي إلى تراجع التنوع في الطرح الإعلامي ويضر بالمصلحة العامة.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي للدعم المنصف
الدعم الموجه للمؤسسات الإعلامية الصغيرة لا يقتصر على تعزيز التعددية الإعلامية فقط، بل يمتد ليشمل تعزيز التنمية المحلية وخلق فرص عمل، خاصة في المناطق المهمشة. الإعلام الجهوي على وجه الخصوص يمكن أن يكون رافعة للتنمية، من خلال تسليط الضوء على القضايا المحلية وتشجيع المبادرات الإيجابية.

الحلول الممكنة: نحو إعادة توجيه الدعم
للخروج من هذا الوضع الذي يفتقر إلى الإنصاف، من الضروري وضع معايير شفافة وواضحة لتحديد أولويات الدعم. يجب أن يتم توجيه الدعم نحو المؤسسات الصغيرة التي تحترم القوانين والمعايير المهنية والأخلاقية. كما أن نشر معايير وأهداف الدعم بشكل علني يعزز من الشفافية ويضمن تحقيق الغايات المرجوة.

هل يمكننا الحديث عن تنمية جهوية وتشجيع المبادرات المحلية دون دعم إعلام جهوي صغير قادر على تناول القضايا المحلية بعمق وصدق؟ هل يمكن تحقيق التعددية الإعلامية في ظل إقصاء المقاولات الصغيرة لصالح الكبرى؟

أولوية الإعلام المحلي والمستقل
الدعم الموجه للمؤسسات الكبرى في مثل هذه الظروف يمثل هدرًا للموارد وتوجهاً غير عادل، خاصة إذا كان على حساب الإعلام المحلي الصغير. الأولوية يجب أن تكون لتعزيز الإعلام المستقل والصغير الذي يلعب دوراً محورياً في تحقيق التعددية وتوفير مصادر متنوعة للمعلومات.

إعادة النظر في سياسات توزيع الدعم الإعلامي ضرورة ملحة، إذا ما أردنا تحقيق إعلام يعكس روح الديمقراطية والتنمية المتوازنة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى