بقلم ذ فتيحة الطالبي :
كان رقص شبيبة الحزب الحاكم في المغرب سيكون موفقًا ومقبولًا لو صادف أوضاعًا مفرحة على الصعيد الوطني، مثل نجاح تنموي أو فوز كروي أو ذكرى وطنية سعيدة. لكن للأسف الشديد، شكل هذا الرقص مهزلة سياسية حزبية شبابية، نُظمت في مدينة أكادير التي لا تبعد كثيرًا عن مدينة طاطا التي غرقت بالفيضانات قبل أيام قليلة.
كان رقص الشبيبة التجمعية سيكون مقبولًا لو لم يكن بالتزامن مع نكسة الشباب في شمال المغرب الذين ألقوا بأنفسهم في المجهول، هربًا من مرارة العيش وغياب التأطير، وارتفاع الأسعار، وانعدام السياسات التي تحتضن هؤلاء الشباب.
شبيبة الحزب الحاكم تجاهلت كل ما حدث ورقصت على جروح المغاربة، على أنغام “مهبول أنا” في لقاء شبابي شعاره “شباب ديمقراطي اجتماعي مساهم في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية”، وهو شعار بعيد كل البعد عن الواقع.
رقص الشبيبة التجمعية يؤكد بالملموس وجود حلقة مفقودة بين الأحزاب والمواطنين، والهوة الكبيرة بينهم بشكل عام، وبين شبيبات الأحزاب والشباب المغربي بشكل خاص.
الغريب والصادم بل الخطير، أنه رغم موجة الغضب من عقلاء الوطن تجاه المهزلة السياسية، لم تصدر الشبيبة أي اعتذار للمغاربة، أو حتى تلتزم الصمت. بل على العكس، خرجت بعض الأسماء في الشبيبة الراقصة (تستفز الجميع) وتصف العقلاء بالبؤساء وأعداء النشاط. هذا يؤكد إصرارهم على عدم سماع نبض الشارع، وإصرارهم على تجاهل الواقع مما يكرس انعدام ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية. (النشاط والفرح والبهجة هم حق للمغاربة، لكن في وقته، وإذا لم يكن في وقته يصبح قلة احترام).
جلالة الملك يبدأ خطبه بعبارة “شعبي العزيز”، بينما شبيبات الأحزاب لا تنجح بالتعصب على الفايسبوك، والولاء الحزبي لا يكون بالعناد ضد الشعب المغربي، بل يكون بالعمل السياسي الفعال والجدي، والتأطير والتكوين، وبرامج شبابية تحتضن شباب المغرب، وتتعامل مع الأحداث بجدية وتحترم شعور المغاربة. أما التطبيل والعناد فيضر بالحزب أكثر مما يفيده، ويظهر أن الحزب أخطأ في اختيار ممثليه.
كانت شبيبة الحزب الحاكم ستلقى كل الاحترام لو نظمت نشاطها بدون رقص واحترمت فاجعة طاطا والشمال. كانت ستنال التقدير لو أن أعضاءها، خصوصًا الأسماء التي تصدرت التطبيل والعناد ضد حكماء الوطن، كلفوا أنفسهم بتنظيم زيارة إنسانية لطاطا، لكن للأسف حدث العكس.
يوم 15 شتنبر 2024 سيظل تاريخًا أسود يذكرنا بفشل السياسات الموجهة للشباب المغربي، وفشل احتضان هذه الثروة البشرية، ويؤكد أننا لا نزال بعيدين عن تشبيب السياسة. هذا التاريخ يعكس بالملموس الفرق الكبير بين تشبيب الأحزاب بكفاءات شابة واعية تتمتع بالروح الوطنية، وبين تأثيث المشهد بشباب فقط من أجل الفرقعة الإعلامية.