الدراجات النارية… استهتار بالقوانين وإفلات من العقاب

يقتربون من المركبات بشكل غير قانوني على الطرقات، مشكّلين تقصيراً واضحاً في الالتزام بمسافة الأمان، ويقودون بسرعات عالية بعضها يتجاوز السرعات القانونية للشوارع والطرقات، مسببين الكثير من الحوادث المرورية، بعضها مميت، وبعضها الآخر يؤدي لإصابات بالغة الخطورة؛ إنهم سائقو الدراجات النارية وغيرهم من العاملين في المطاعم والمتاجر لتوصيل طلباتها إلى الزبائن، بسرعة في التوصيل على حساب سلامة السائقين على الطرقات.
لا يمر يوم إلا ونسمع فيه عن حوادث سير مؤسفة تنتهي بعضها بحالات وفاة تثير الحسرة وتترك عائلات في حالة يرثى لها، كما تتسبب في فقدان أطفال صغار لمعيلهم الوحيد، مما ينعكس سلبا على وضعية وتطور المجتمع المغربي، وفي أحيان كثيرة، يكون المتسبب الرئيسي في وقوع الحادثة، هي السياقة المتهورة لصاحب دراجة نارية.
لم يعد منظر دراجة نارية وهي تمر أمام السيارات في الاتجاه المعاكس، غريبا، وقد تعب سائقو السيارات من التعبير عن استنكارهم للحركات البهلوانية التي يقوم بها أصحاب الدراجات النارية في طريق مزدحمة بكل وسائل النقل، وتعبوا من استنكار مرورها أمامهم في الاتجاه المضاد للسير العادي، حيث لم يعد سائق السيارة يكتفي بالاحتياط من السيارات التي تسير أو تخرج عن يمين سيارته أو شمالها، بل صار المسكين مضطرا لاتخاذ كل احتياطاته وتجنيد عينيه ودماغه وتركيزه بشكل كامل، خوفا، ليس من مرور دراجة نارية، وإنما مرورها في الاتجاه المعاكس لحركة المرور بدون حسيب ولا رقيب سوى الله.
وفي أحيان كثيرة، تكون الدراجة النارية في حالة طيران وصاحبها لا يلوي على شيء بعد أن يكون قد نشل حقيبة يد أو هاتفا محمولا من إحدى السيدات المارات بجانب الطريق، فيكون كل همه هو الهروب من مكان السرقة نحو مكان مجهول غير مبال بالسير العادي للسيارات، فيمر أمامها ويطير بجانب هذه السيارة ويسير في اتجاه معاكس لسيارة أخرى، وعندما تصدمه سيارة ما، فإن الخطأ حسب مدونة السير، يكون سببه صاحب السيارة المسكين، الذي لا ذنب له سوى أن حظه العاثر وضعه في نفس الطريق التي كان يسير فيها سائق دراجة متهور.
لقد صارت الدراجات النارية في المدن الكبرى، خطرا محدقا بالراجلين في كل لحظة على غرار سائقي المركبات، وعندما نتحدث عن الدراجات النارية، فلا شك أن الدراجات ثلاثية العجلات التي انتشرت كثيرا في المدن الكبيرة، تشكل خطرا لا يقل تسببا في حوادث السير عن الدراجات النارية الخفيفة، فرغم أن القانون ينص على أن هذا النوع من الدراجات هو مخصص لنقل البضائع فقط بهدف تشجيع الشباب على الكسب الحلال، فإن أصحابها صاروا ينافسون سائقي سيارات الأجرة في حمل الركاب، وفي بعض الأحيان، نشاهد بعضها تحمل أعدادا غفيرة لا تقل عن عشرة،كما نشاهد نساء يتهورن كثيرا عندما يمتطين هذه الدراجات السهلة الانقلاب والصعبة التحكم مرفوقات بأطفالهن الصغار جدا في مغامرات قد لا تنتهي على خير.
وقد اشتد الجدل مجددا بسبب حوادث واعتداءات تسببت فيها مؤخرا الدراجات ثلاثية العجلات بالمغرب، أو “التريبورتور”، وحول خطورة الآلاف من هذه الدراجات التي تجوب شوارع البلاد، حتى بات البعض يسميها “الدراجة ثلاثية الأخطار”.
وحذرت عدة جمعيات من مخاطر الدراجات ثلاثية العجلات، ولفتت إلى “خطر الاستخدام غير القانوني لهذه المركبات”، ورغم الحملات الأمنية التي تحاول ردع سائقيها، ومعاقبتهم بسبب خرقهم للقانون الذي يحدد طريقة وعناصر استعمال وسيلة النقل هذه، إلا أن العدد الكبير منها والتي يعمد أصحابها إلى حمل الكثير من الركاب، يعقد مأمورية رجال الشرطة، فضلا عما يروج بكون هذه الدراجات، باتت حلا لبطالة الشباب.
ورغم إطلاق قانون ترقيم الدراجات النارية، فقد ظلت المشاكل قائمة بسبب “إفلات” أنواع كبيرة من الدراجات النارية من نصوص هذا القانون، وهي الدراجات التي كثيرا ما نسمع بأن اللصوص والنشالين يستعملونها، كما أنها خطيرة بسبب عداد السرعة الذي يحفز الشباب المتهور على سياقتها بسرعة جنونية مع إصدار صوت محرك مروع يوقظ النيام ويزعج الكبار ويثير هلع الصغار.
إننا عندما نتحدث اليوم عن الدراجات النارية، فإننا نتحدث عن وسيلة نقل يستعملها آلاف المغاربة للتنقل من وإلى مراكز عملهم، لكن استهتار شباب يستعملونها لأغراض بعيدة عن العمل، وهي اللصوصية والنشل أو استعراض المهارات أمام بوابات المدارس وأمام عيون الفتيات، قد جعل هذه الوسيلة الحضرية للنقل، خطرا عموميا يتم فيه تعميم صفة “خطير” حتى على الرجال والسيدات الذين يقودونها بطرق عقلانية وفي احترام تام لقانون السير، فنحن لا نعمم موقفنا من سائقي الدراجات النارية، ولكن الأغلبية التي ترفع شعار “الاستهتار بأرواح الناس” صارت مصدرا لهذا التعميم.
لهذا، فالمطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن يتم تطبيق قانون الترقيم وضرورة التوفر على رخصة سياقة الدراجة النارية على جميع فئات الدراجات، أقول جميع فئات الدراجات، مع تنظيم حملات منتظمة لمراقبتها حتى يتم ضبط المخالفين، وحتى يقلع اللصوص والنشالون عن استعمالها كمطية آمنة وغير متبوعة بأية مراقبة في اقتراف جرائمهم والقيام بالسلب والنهب، ثم الفرار بعيدا عن مسرح الجريمة بكل اطمئنان لسبب واحد، هو أن اللص يمتطي وسيلة نقل مجهولة تماما ولا وجود لها في سجلات المركبات المستعملة داخل المغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى